تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في صباح كل يوم كنت أحس بالضجيج الذي ينبعث من الخارج سواء من حركة الناس وجلبتهم أو انطلاق السيارات والعربات وأزيزها، لكن صباح هذا اليوم كان هادئاً كنت أتطلع عبر النافذة، يكاد الشارع يكون خالياً، وتمر بين آونة وأخرى سيارة النقل العام وتكاد تكون فارغة، وهي في الأيام الأخرى قد ضاقت بالناس حتى تعلقوا بأبوابها، وهناك رجل أو اثنان وأفراد قلائل يتحركون في الشارع، بائع جرائد أو بائع خبز أو لبن، أو عامل ينتظر نوبته، وما وراء ذلك صمت لا يدغدغه إلا نور الشمس الذي يصل إلى الأرض على استحياء عبر ضباب القاهرة الكاذب، مثل هذا المنظر قد يتكرر أو بعضه يوم الجمعة كل جمعة، لكن له في هذا اليوم مذاق خاص إنه ذكرى الهجرة، إنه رأس السنة الهجرية – انتهاء سنة واستقبال أخرى، ولكن لم يحس الناس من ذكرى ذلك الحدث العظيم إلا بهذه الرقدة والاسترخاء المقيت، ولكني كنت أحمد الله أن هذا اليوم لم يكن فرصة لمزيد من المنكرات، كما كان رأس السنة الميلادية قبل نصف شهر تقريباً، ليس للمسلمين من رأس السنة الهجرية إلا الإجازة وإلا أن يهنئ قادة الاتحاد السوفيتي الرؤساء العرب برأس السنة، ثم في العراق يفتي القاضي ويعلن أن رأس السنة هو يوم غد وليس اليوم مخالفاً إجماع الناس، ولعلهم لم يروا الهلال، لكنه في العراق له بداية محزنة مؤسفة مبتدعة.

وفاة الأستاذ محمد رشاد

الأربعاء 15 كانون الثاني 1975م = 3 محرم 1395هـ

غدوت أمس منذ الصباح الباكر إلى معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية للاطلاع والنظر في بعض المصادر، ودخلت مبنى الجامعة العربية، وبعد تسجيل الاسم في سجل الداخلين توجهت إلى المصعد، لكنه تأخر فالتفتُّ يساري كانت هناك ورقة معلقة على لوحة إعلانات صغيرة، قلت لأقرأها لحين مجيء المصعد: ينعى معهد المخطوطات الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب، لم أكن أتبين بالضبط من هو المقصود لكني حين أفكر في الأستاذ رشاد أكاد لا أحتمل الفكرة، وكأن مظاهر الصحة والقوة مظاهر بقاء ودوام، حقا كانت مفاجأة لي وللناس الآخرين من موظفي المعهد والطلاب المترددين والناس الآخرين ممن يعرفونه، إنه السكرتير الثاني في المعهد، له معرفة واسعة بأمر المخطوطات، وقد توطدت بيني وبينه علاقة طيبة، رجل ربما جاوز الخمسين لكنه ضخم البنية لا يبدو عليه أثر الكبر رغم الشيب الذي لاح برأسه، كان قد أنهى الدوام يوم الأحد وغادر المعهد بعد الظهر صحيحاً سليماً معافى، لكنه ما أن حل المساء حتى تهاوى في بيته في لحظات لم تتح لأهله استدعاء طبيب أو عمل شيء، كان الأجل قد حان وجاءت الوفاة، ولا تأخير لأمر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ترك الدنيا وما كان له فيها وواجه المصير فرداً ولم يبق معه إلا عمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، ولم تنفع الصحة، ويخطئ الناس حين يظنون أن الموت بعيد عنهم لأنهم في صحة وشباب. رحم الله الأستاذ رشاد، كان قد أفادني كثيراً وقت مراجعتي للمعهد، ودلني على مصادر كثيرة في رسم المصحف.

أثر المطر في القاهرة

الخميس 16 كانون الثاني 1975م = 4 محرم 1395هـ

ذهبت في الصباح إلى دار الكتب المصرية، وعدت منها بعد الظهر، عدت مشياً، إذ ركبت من الدار إلى بداية (كوبري أبو العلا) وهناك كانت طوابير السيارات تمتد إلى مئات الأمتار عند محور الكوبري تنتظر دورها للمرور أو العبور، وسبب كل هذه الأزمة هو أن غيمة جاءت على القاهرة وأرسلت زخات خفيفة، فأوحلت الشوارع بمادة سوداء كريهة قذرة كأنها القطران، وتوقف كثير من العربات فخفت السرعة في الشوارع، وخرج الناس من أعمالهم يريدون العودة إلى بيوتهم، عبرت كوبري أبو العلا مشياً، واخترقت الزمالك وتجاوزتها إلى بيتنا في 160 شارع 26 يوليو، وعند الغروب كنت قد فكرت في أمر آخر، فلا تزال قطعة القماش التي أحضرها الأخ مجاهد من السعودية غير مخيطة، فقلت لآخذها إلى الخياط هذا المساء، وأمر في طريقي إلى الأخ محمد أحمد محمود، ونزلت إلى الشارع بحذر من بقايا أوحال مطر الظهيرة، وكنت أفكر بأن أذهب بها إلى الخياط عبد السلام، ولكن كرهت المكان الذي هو فيه، وحدث أن عرفت خياطاً بواسطة الأخ عايش، اسمه سعد زغلول، ذهبت إليه وكلي أمل أن أعود إليه الخميس القادم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير