وشخصيا الحمد لله اتجهت اتجاها جديدا في هذا المسار، والسبب فيه أني سألت طلابي من الإنجليز المسلمين وغير المسلمين: ماذا ترون في ترجمة القرآن الموجودة؟
فقالوا: هذه مكتوبة بلغة غير لغة عصرنا ولا نقرؤها في مدارسنا وجامعاتنا، فهي تصدنا عن القراءة، ولا نجدها تروق لنا.
وبدأت على بركة الله في ترجمة صفحة وقلت لهم: انظروا فيها .. ما رأيكم؟
فقالوا: أحسن، ولكن ما زال فيها كلام قديم من كذا وكذا، فأعدت الترجمة مرات، إلى أن قالوا هذه هي اللغة التي تصلح لنا الآن.
والعيب الكبير في الترجمات الموجودة هو الترجمة الحرفية للقرآن، أي تتابع كلمات النص العربي، وترتيب أجزاء الجملة العربية، ويظن صاحبها أنه بهذا يقترب من النص، ولكنه ينتج شيئا هو أبعد ما يكون عن النص بسبب اختلاف اللغتين.
وآليت على نفسي أن أضمن الترجمة إضافات تشرح وتجعل النص مفهوما، وهناك من يترجم ولا يشرح في الهامش أي شيء؛ لأن القرآن هو كذلك، وأتركه يتحدث بنفسه، وهذا أعتبره "عتها"؛ لأن القرآن يتحدث بنفسه إلى العرب، وفي البلاد العربية نحفظه ونسمعه في المساجد والبيوت وعبر الراديو طول حياتنا، وبذلك نفهم معنى الكلام.
أما الآخرون في ثقافة وبيئة ولغة غربية غريبة فكيف يمكنهم فهم آياته؟ وهناك آيات لا ترجمة لها، ولو ذكرت لن تفهم مثل {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} (ص: 42) ومثلها حديث الإفك {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} (النور: 11)، والقرآن لم يذكر أكثر من كلمة الإفك؛ لأن المجتمع الإسلامي يعرف ما المراد، فكيف يفهم ذلك الغربي الذي ليست له خلفية تاريخية عن معنى الإفك.
فكان علي أن أبين هذا، وأبين شيئا يهم الغربيين جدا وهو تماسك الكلام، أي كيف ينتقل القرآن من معنى إلى معنى آخر، فالغربيون يرون كيف يقفز القرآن بين المواضيع ولا يفهمون لماذا؟ ولذلك أشرح ذلك.
وكثير من المسلمين ممن يتقنون الإنجليزية قالوا لي: إنه لأول مرة نفهم القرآن من هذه الشروح المضافة، وهناك شخصية عربية له دراية بالإنجليزية - ولعدم الإحراج لا أذكر اسمه هنا - قال: الآن أفهم القرآن العربي عندما قرأ ترجمتي.
عرب وغرب وترجمات
* هناك ترجمة عربية للقرآن وأخرى غربية، ما هي الفوارق ونقط التماس بينهما وأيهما الأصلح؟
- في بداية الترجمة كان الغربي لا يدرك شيئا عن القرآن، وبعض الغربيين أنفسهم ممن لم يتمرسوا بالقرآن يخطئون في الترجمة، وبعضهم يخطئون بسوء نية وخبثا، فيكتب ألفاظا ذات دلالة قدحية، ومن أحد هؤلاء في القرن التاسع عشر كان كل همه أن يثبت أن القرآن مأخوذ بنصه وفصه من الإنجيل والكتابات المسيحية، ويترجم لكلمة لتظهر مثل ما هي في النص الإنجيلي، وإذا لم يسعفه الأمر ترجمه بذلك تعسفا.
ولا حرج من هذا؛ لأن القرآن جاء مصدقا لما بين يديه، ويضم القصص التي في الكتب السماوية، لكن بعض هذه الترجمات الغربية حرصت على التحريف.
وأنا هنا لا أقول إن كل الغربيين خبثاء أو جهلة، والحق يقال، فهناك رجل إنجيلزي اسمه "أوربري" ترجم القرآن ترجمة عظيمة، وكان قد عاش في مصر ودرس في جامعة القاهرة، وقال إنه خلال رمضان كان رجل يجاوره يأتي بقارئ أعمى جميل الصوت فيقرأ القرآن، فقال: إن هذا الصوت كان يعزيني ويشجيني في حالتي النفسية الصعبة، فسهل علي صوته اشتغالي بترجمة القرآن.
فـ"أوربري" لم يكن همه على الإطلاق أن يشوه القرآن، أو أن يدس فيه أفكارا غير إسلامية، لكنه اتبع نهجا صعب عليه التزام نسق الجملة العربية القرآنية، لكن رغم ذلك كانت ترجمته غريبة رغم احترامه لترتيب اللغة العربية، ومثل هؤلاء يعدون على الأصابع.
واليوم هناك عدد من الغربيين موضوعيون، ويحاولون قدر الإمكان الإجادة في الترجمة، ويجتهدون في الكتابة عن القرآن، وبعض كتاباتهم مفيدة في بابها، وتتجاوز الترجمات التي ارتبطت بالاستعمار والحروب الصليبية.
* هناك علم القراءات القرآنية، ما وضعها في الترجمة الخاصة بالقرآن الكريم؟
¥