تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصحيح لهذا الرسم، إن شاء الله.

جولة بين المصاحف القديمة

الثلاثاء 24 حزيران 1975م = 14 جمادى الآخرة 1395هـ

كنت في الأيام الماضية أخرج إلى المكتبة كل يوم، متنقلاً بين مكتبة معهد الدراسات العربية، ومكتبة جامعة القاهرة، ومكتبة الأزهر، ودار الكتب، أحاول أن أصل إلى آخر مصادر البحث تهيؤاً لبدء الكتابة بعد ذلك إن شاء الله، وكان قد بقي بعض من مصحف جامع عمرو بن العاص المحفوظ في دار الكتب لم أقرأه، كذلك لم أقرأ في المصحف الآخر أو بعض المصحف المنقوط على طريقة أبي الأسود، فذهبت إلى دار الكتب الجديدة أمس، وبعد جهد سُمِحَ لي بالدخول إلى قاعة المصاحف وبدأت أقرأ بسرعة، حتى إني انتهيت من قراءة مصحف جامع عمرو مع تدويني بعض الظواهر التي يمكن الإفادة منها، وجئت اليوم مبكراً مع علمي أن فتح القاعة لن يتم قبل التاسعة والنصف بل وحتى العاشرة، وسُمِحَ لي بالدخول أيضاً للقراءة في المصحف المنقوط، وبدأت أعمل بسرعة محاولاً أخذ وتدوين ما يمكن الإفادة منه، وخلال ذلك كان أحد موظفي الدار يمر عليَّ ويهمس في أذني كل حين: حافظ على المصحف، احذر من تمزيق الأوراق، ومن سقوط الحبر على الصفحات، وانتهيت من قراءة المصحف المنقوط، لأنه لا يتجاوز المئة صفحة، وفي كل صفحة سبعة أسطر، وبدأت أحاول القراءة في مصحف آخر أو النصف الأول منه منسوباً إلى جعفر الصادق، لكن إبراهيم طلع مرة أخرى، ودخل هذه المرة مزمجراً، وقال: ممنوع الاطلاع على المصحف هنا، لا بد أن تنزل إلى قاعة المطالعة، وكنت أدخل قاعة المصاحف لصعوبة إنزال المصاحف إلى قاعة المطالعة خشية أن يحلق بها أذى، فوافقت على أن يجلب لي مصحف جعفر الصادق، وهنا انبرى يقول: إن هذا المصحف لا يمكن الاطلاع عليه، ولا يمكن إنزاله لأنه يتلف بسرعة، (وهو مكتوب على الرق = جلد الغزال) وبعد أخذ ورد، وهو يزداد عناداً، فلم أملك إلا أن أتكلم بكلام لا أعلم الآن حدوده، وجاء من كان موجوداً في قسم المخطوطات، وانسحب أستاذ إبراهيم، ووافق من حضر على أن أبقى في القاعة وأقرأ بقية اليوم في ذلك المصحف، وجلست برهة من الزمن مشتت الفكر، أعالج آثار الانفعال الحاد وجفاف الريق، ثم قرأت بعض الصفحات لأستوضح طريقة شكل ذلك المصحف الذي تبين لي أنه مشكول على أكثر من قراءة، وخرجت من الدار قبل انتهاء الدوام، وأنا أفكر في ما ستصير إليه الأمور مع هؤلاء، فأنا متيقن أن كل ما حدث من منعي من الاطلاع على المصاحف أمس، ومن قبل ذلك، كان محاولة لدفعي إلى رشوتهم، كان ذلك واضحاً من كل كلمة تقال، وكنت أعرف ذلك جيداً، فإذا كان الاستقبال حاراً أول الأيام إلى حيث صار بارداً قاسياً في آخرها، بعد أن لم أقدم لهم شيئاً عامداً، لأني لم أعتد على هذه الطريقة في التعامل، وفي أمر يتعلق بالمصحف! والحمد لله الذي يسر لي القراءة في أربعة مصاحف من المصاحف القديمة، وهو ما يعطي مادة جيدة للبحث.

متاعب لا تنتهي

الأربعاء 30 تموز 1975م = 21 رجب 1395هـ

مضت أيام كثيرة لم أجد الفرصة التي أتمكن فيها أن أكتب بعض هذه السطور ولا الهمة التي تدفعني إلى تكلف بعض هذا الهذر الذي أرجو أن يعفو الله عما فرطت فيه، وكنت مشغولاً بين الذهاب إلى المكتبة أو الجلوس إلى كتاب في البيت أو الخلود في ساعة إلى الراحة أو الانقطاع إلى عتبة الذكريات الحزينة والهموم الثقيلة والآمال البعيدة: بعيدة المنال بعيدة في عليائها، لكني أحلم وما على الإنسان في أن يحلم، ومنذ أن نزلت القاهرة أو غمرتني القاهرة بهرجها ومرجها، كانت تكاليف الحياة تأخذ قسطاً من الوقت والجهد والتفكير إلا أن ذلك لم يكن ليعيقني كثيراً أو أنه يطغى على حياتي، وتمر الأيام ... ومع أني قد لازمني حسن الطالع منذ أن نزلت مع الأخ خليل في هذه الشقة التي نسكنها إلى الآن، إلا أن وحشة المدينة المخترقة أطرافها والآسنة أعماقها لم تزل تتسور علينا جدران الشقة وتقذف ببعض خبثها علينا، وما لنا في ذلك من حيلة، وما نملك من رده من سبيل، كنا مضطرين أن ندخل في الشقة شغالة تعيننا على أمور إعداد الطعام وتنظيف البيت، وكنا نجد من خشية الله وتقواه ما يدفعنا إلى حسن معاملة الشغالة وإكرامها، وتمر الأيام وتذهب شغالة وتجيء أخرى، لكن كل ذلك الإكرام وتلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير