"وإضافة الجنات إلى الفردوس بيانية، أي جنات هي من صنف الفردوس. وورد في الحديث أن الفردوس أعلى الجنّة أو وسط الجنّة. وذلك إطلاق آخر على هذا المكان المخصوص يرجع إلى أنه علم بالغلبة.
فإن حُملت هذه الآية عليه كانت إضافة {جنات} إلى {الفردوس} إضافة حقيقية، أي جنات هذا المكان."
وأما قولي:
"فحمل جهنم على معنى النزل الذي يقدم للضيف وهو من باب التهكم بأهل النار قول لا يصح"
أقول لا يصح إذا كان على معنى أن جهنم مرحلة من العذاب ثم ينتقلون إلى غيره أو أنها درك من دركات النار، وذلك لأن الآيات دلت على أن جهنم اسم علم على مكان عذاب الكفار كما أن الجنة اسم علم على مكان نعيم المؤمنين، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى:
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) سورة الأعراف (179)
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) سورة ق (30)
(قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) سورة الأعراف (18)
(إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)) سورة الأعراف.
وأما مسألة إطلاق النزل بمعنى ما يقدم للضيف في مكان نزوله على نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار فلا إشكال فيه، فقد ذكر الله تعالى نعيم أهل الجنة في سورة الصافات وهو نعيم دائم لا ينقطع ثم قال بعد ذلك:
(أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)) سورة الصافات
قال بن عاشور رحمه الله تعالى:
"والنزُل: بضمتين، ويقال: نُزْل بضم وسكون هو في أصل اللغة: المكان الذي ينزل فيه النازل، قاله الزجاج. وجرى عليه صاحب «اللسان» وصاحب «القاموس»، وأُطلق إطلاقاً شائعاً كثيراً على الطعام المهيّأ للضيف لأنه أعدّ له لنزوله تسمية باسم مكانه نظير ما أطلقوا اسم السكن بسكون الكاف على الطعام المعدّ للساكن الدار إذ المسكن يقال فيه: سَكْن أيضاً. واقتصر عليه أكثر المفسرين ولم يذكر الراغب غيره. ويجوز أن يكون المراد من النزل هنا طعام الضيافة في الجنة. ويجوز أن يراد به مكان النزول على تقدير مضاف في قوله: {أمْ شجرة الزقوم} بتقدير: أم مكان شجرة الزقوم.
وعلى الوجهين فانتصاب {نُزُلاً} على الحال من اسم الإِشارة ومتوجه الإِشارة بقوله: {ذلك} إلى ما يناسب الوجهين مما تقدم من قوله: {رزق معلومٌ فواكِه وهم مُكْرَمُونَ في جَنَّاتتِ النَّعِيم} [الصافات: 41 - 43].
ويجري على الوجهين معنى معادل الاستفهام فيكون إمّا أن تُقدّر: أم منزلُ شجرة الزقوم على حدّ قوله تعالى: {أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً} [مريم: 73] فقد ذَكَر مكانين، وإما أن نقدر: أم نزل شجرة الزقوم، وعلى هذا الوجه الثاني تَكون المعادلة مشاكَلة تهكماً لأن طعام شجرة الزقوم لا يحق له أن يسمى نزلاً."
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[23 Apr 2010, 02:32 م]ـ
من خلال مطالعتي لما كتب الإخوة أنبه على نقاط:
1 - أن مثل هذه الأخطاء لا بد من توضيحها وبيانها للمسلمين، وذلك لسببين:
أ - أن الشيخ المذكور وصف المفسرين بأنهم غفلوا عن هذه التي يسميها إشكالات ومثل هذه الإطلاقات ينبغي لطلاب العلم التريث في إطلاقها فضلا عن العلماء.
ب - أن الخطأ في تفسير القرآن الكريم يجب تبيينه ولو كان المخطئ ابن جرير.
2 - أن قلة مطالعة القرآن الكريم ربما أدت لبعض الأخطاء في هذه المسألة فقد ذكر الله تعالى لفظ خالدين فيها أبدا في "جهنم" مرتين وفي "السعير"مرة وفي الجنة 8 مرات، والمجموع 11 مرة من لفظ خالدين فيها أبدا، ولو طالع كتب المتشابه لوجدها نصت على ذلك كمنظومة السخاوي وكالبحر المحيط.
3 - أن الحديث المشار إليه وإن كان يمكن حمله على المعنى الذي استدل به عليه؛ تنزلا على القول بأن النزل ما يقدم للضيف إلا أنه لا علاقة له بالنتائج التي توصل إليها.
والله تعالى أعلم.
¥