تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محب البشير]ــــــــ[27 Apr 2010, 08:32 م]ـ

قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}

اللطيفة التاسعة: لم استعمل في جانب الديانات السابقة لفظ {وصى} و في جانب الدين الإسلامي لفظ {أوحينا}؟

قال الإمام الطاهر بن عاشور: ذكر في جانب الشرائع الأربع السابقة فعل {وصى} وفي جانب شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فعل الإيحاء لأن الشرائع التي سبقت شريعة الإسلام كانت شرائع مؤقتة مقدرا ورود شريعة بعدها فكان العمل بها كالعمل الذي يقوم به مؤتمن على شيء حتى يأتي صاحبه، وليقع الاتصال بين فعل {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وبين قوله في صدر السورة {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الشورى:3].

تفسير التحرير و التنوير ج 25 ص 121

اللطيفة العاشرة: ما سر ترتيب الأنبياء و شرائعهم على هذا النحو البديع؟

قال الإمام الطاهر بن عاشور: والاقتصار على ذكر دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأن نوحا أول رسول أرسله الله إلى الناس، فدينه هو أساس الديانات، قال تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] ولأن دين إبراهيم هو أصل الحنيفية وانتشر بين العرب بدعوة إسماعيل إليه فهو أشهر الأديان بين العرب، وكانوا على أثارة منه في الحج والختان والقرى والفتوة. ودين موسى هو أوسع الأديان السابقة في تشريع الأحكام، وأما دين عيسى فلأنه الدين الذي سبق دين الإسلام ولم يكن بينهما دين آخر، وليتضمن التهيئة إلى دعوة اليهود والنصارى إلى دين الإسلام.

وتعقيب ذكر دين نوح بما أوحي إلى محمد عليهما السلام للإشارة إلى أن دين الإسلام هو الخاتم للأديان، فعطف على أول الأديان جمعا بين طرفي الأديان، ثم ذكر بعدهما الأديان الثلاثة الأخر لأنها متوسطة بين الدينين المذكورين قبلها. وهذا نسج بديع من نظم الكلام، ولولا هذا الاعتبار لكان ذكر الإسلام مبتدأ به كما في قوله {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] وقوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7]

تفسير التحرير و التنوير ج 25 ص 119

ـ[محب البشير]ــــــــ[28 Apr 2010, 08:26 م]ـ

و مع قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}

اللطيفة الثانية عشرة: لم آثر الإيحاء على التوصية؟

وإيثار الإيحاء على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع في الآية المذكورة ولما في الإيحاء من التصريح برسالته عليه الصلاة والسلام القامع لإنكار الكفرة، والالتفات إلى نون العظمة لإظهار كمال الاعتناء بايحائه، وفي ذلك إشعار بأن شريعته صلّى اللّه عليه وسلّم هي الشريعة المعتنى بها غاية الاعتناء روح المعاني ج 13 ص 22

اللطيفة الثالثة عشرة: لم استعمل ما في الأديان السابقة و الذي في الدين المحمدي؟

قال الإمام الطاهر بن عاشور: وفي قوله تعالى {مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} وقوله {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} جيء بالموصول {ما}، وفي قوله {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} جيء بالموصول {الذي}، وقد يظهر في بادئ الرأي أنه مجرد تفنن بتجنب تكرير الكلمة ثلاث مرات متواليات، وذلك كاف في هذا التخالف. وليس يبعد عندي أن يكون هذا الاختلاف لغرض معنوي، وأنه فرق في استعمال الكلام البليغ وهو أن {الذي} وأخوته هي الأصل في الموصولات فهي موضوعة من أصل الوضع للدلالة على من يعين بحالة معروفة هي مضمون الصلة، ف {الذي} يدل على معروف عند المخاطب بصلته.

وأما {ما} الموصولة فأصلها اسم عام نكرة مبهمة محتاجة إلى صفة نحو قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: 58] عند الزمخشري وجماعة إذ قدروه: نعم شيئا يعظكم به. ف {ما} نكرة تمييز ل"نعم" وجملة {يَعِظُكُمْ بِهِ} صفة لتلك النكرة. وقال سيبويه في قوله تعالى {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [قّ: 23] المراد: هذا شيء لدي عتيد، وأنشدوا:

لما نافع يسعى اللبيب فلا تكن ... لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيا

أي لشيء نافع، فقد جاءت صفتها اسما مفردا بقرينة مقابلته بقوله: لشيء بعيد نفعه، ثم يعرض ب {ما} التعريف بكثرة استعمالها نكرة موصوفة بجملة فتعرفت بصفتها وأشبهت اسم الموصول في ملازمة الجملة بعدها، ولذلك كثر استعمال {ما} موصولة في غير العقلاء، فيكون إيثار {مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} بحرف {ما} لمناسبة أنها شرائع بعد العهد بها فلم تكن معهودة عند المخاطبين إلا إجمالا فكانت نكرات لا تتميز إلا بصفاتها، وأما إيثار الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم باسم {الذي} فلأنه شرع متداول فيهم معروف عندهم. فالتقدير: شرع لكم شيئا وصى به نوحا وشيئا

تفسير التحرير و التنوير ج 25 ص 120

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير