الأيام قبل السفر بدأت تذهب بسرعة وأنا أحاول أن أعمل من خلالها شيئاً مفيداً , وكان من بين ذلك محاولتي نسخ مخطوطة قديمة في رسم المصحف لابن معاذ الجهني , هناك منها نسخة ناقصة في دار الكتب المصرية وأخرى كاملة في مكتبة المعهد الأزهري بطنطا وثالثة في المكتبة الظاهرية بدمشق، فترددت على دار الكتب أكثر من مرة لنسخ الموجود منها , لكن ذلك لم يُجْدِ شيئاً فالمخطوطة ذهبت إلى التصوير ولم ترجع , ثم حاولت الذهاب إلى طنطا , ذهبت يوم الاثنين الذي كان بعد العيد فكانت المكتبة مقفلة بسبب العطلة التي تُعَوَّضُ بها الجمعة أو لمناسبة العيد , ثم حَدَّثْتُ نفسي بالذهاب إلى طنطا مرة أخرى , وذهبت اليوم , وكان معي محمد أسامة (أحد الإخوة العراقيين الذين سكنت معهم لقضاء الأيام الأخيرة في القاهرة) لعله يساعدني في النسخ، وبعد جهد ودوران في أطراف طنطا وهي مدينة يزينها مقام السيد البدوي , ومدينة كثيرة الذباب والأوساخ وبرك المياه القذرة في الشوارع , بعد ذلك الدوران عثرنا على المعهد الأزهري بعد أن ظهر أن المكتبة نقلت من مسجد السيد البدوي إليه، وانتظرنا المسؤول عن المكتبة وحضر الأستاذ محمد رشدي , وذكر لنا أن الكتب بعد انتقالها من مكانها القديم إلى الجديد وضعت في صناديق، وأنها لم تفتح بعد، وعلينا الانتظار بضعة أشهر حتى يتسنى لنا الاطلاع عليها , وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله , المعاملة نفسها التي نجدها في مكتبة الجامع الأزهر نجدها في معاهده , التي نجدها في القاهرة نجدها في مدن مصر الأخرى (1) ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1).
الركوب على ظهر الباخرة
الأربعاء 13 تشرين الأول 1976م = 19 شوال 1396هـ
خرجنا من الفندق صباحاً مسرعين , وجرت بنا السيارة إلى ميناء الإسكندرية حيث وصلنا في حدود التاسعة , ومما حدث لنا مساء أمس في الإسكندرية أن أوقفنا شرطي مرور , وذهب بنا إلى مركز شرطة المرور , وقابلنا ضابط برتبة نقيب، وعمل لنا محضراً طويلاً لمخالفتنا قانون الجمهورية بسير السيارة بدون أرقام , وهو أمر لا دخل لنا فيه , لأن الشركة وكمرك القاهرة هما اللذان رتبا هذا الأمر , وبعد كلام كثير أفرج عنا! لأنا ضيوف , وهو بإمكانه كما يدعى أن يؤخرنا , دخلنا الميناء , وكنا نحمد الله أن ودعنا ذلك المجتمع , وقد رأينا في الميناء أشياء جديدة كثيرة , هذه البواخر كالأعلام وهذا البحر المديد , وهؤلاء المسافرون يفترشون الأرض بانتظار الباخرة , وكان مقرراً أن تصل الباخرة المصرية (الجزائر) الساعة العاشرة صباحاً , لكنها تأخرت , وقد أنهينا إجراءات السفر والسيارة , وجلسنا ننتظر وصول الباخرة , ومرت ساعات كثيرة وما وصلت حتى عانقت الشمس الأفق , واستمرت عمليات التفريغ من السادسة حتى الثانية عشرة تقريباً , وبدأ التحميل بعد منتصف الليل وكانت سيارتنا ثاني سيارة ترفع على ظهر الباخرة بطريقة بدائية قد سببت أضراراً للسيارة , أزعجتني كثيراً , والمزعج أكثر هو هذه المعاملة الملتوية لعمال الباخرة ورؤسائهم , وبعد أن رُفِعَتِ السيارة واستقرت على ظهر الباخرة أوينا نحن الثلاثة: صباح رشيد شلال وزهير الطعان (( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2)2) والفقير إليه تعالى إلى غرفة صغيرة، قد عُلِّقَ بجانبيها سريران صغيران وعلى الأرض الثالث , ودولاب وطاولة و كرسي وقنفة ومغسلة , ومرافق مشتركة مع الغرفة المجاورة , كنا في الدرجة الأولى , وهناك ناس كثيرون باتوا على ظهر الباخرة , أوينا إلى الفراش متعبين ولا ندري هل سنستيقظ والباخرة قد سارت وغادرت الميناء , أم إنها ستظل راسية حتى الصباح.
مغادرة ميناء الإسكندرية
الخميس 14 تشرين الأول 1976م = 20 شوال 1396هـ
¥