استيقظنا في الصباح والباخرة لا تزال راسية , ثم جرت حوالي الساعة الثامنة صباحاً على مهل، ثم بدأ الساحل يغيب عنها حتى صرنا في منتصف البحر، وراحت تمخر عباب الماء باتجاه لا نكاد نميزه لولا الشمس , وبدأ لون المياه يتغير كلما دخلنا في أعماق البحر، حتى صارت ذات لون لم تره عيني من قبل , زرقة غامقة كالحبر، لكنها مياه صافية كالزجاج , وكانت الباخرة تشق مياه البحر فتندفع بجانبها أمواج عالية تجري وراءها، ثم تذوب في وسط البحر الواسع , تمد بصرك شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً لا ترى إلا مياه البحر تنتهي عند الأفق الذي يشكل دائرة منتظمة، وإلا سحباً خفيفة تعلو المياه غير بعيدة , وهذه هي أول مرة أركب فيها البحر، وبدأت أقرأ بعض الآيات التي وردت عن البحر في القرآن الكريم، وبدأت أحس بمعانيها على نحو أعمق , وسبحان الله العليم الخبير.
كانت الباخرة كبيرة , مع أن هناك بواخر أكبر منها بكثير , مسافرون كثيرون يملؤون الممرات والغرف , الدرجة التي حجزنا عليها أتاحت لنا غرفة لا بأس بها ووجبات طعام جيدة , أجمل ما في السفرة أنها في البحر وأننا ثلاثة , وإذ أكتب هذه الكلمات في الحادية عشرة ليلاً يهتز السرير قليلاً، وأسمع أزيز صوت محرك الباخرة وأصوات الموج المرتطمة ببعضها , السفر بالباخرة لمسافات طويلة متعب على ما يبدو , خاصة إذا كانت الباخرة خالية من وسائل قضاء الوقت , والراحة , ويبدو أن القراءة وسيلة نافعة يمكن أن يقطع بها المسافر بالبحر رحلته.
الوصول إلى مدينة اللاذقية
الجمعة 15 تشرين الأول 1976م = 1396هـ
استيقظنا في الصباح على أصوات أمواج عالية تصطدم بالباخرة , التي ما تزال منذ صباح أمس تسير سيراً حثيثاً دون توقف، سمعنا أن الوصول إلى ميناء اللاذقية سيكون عند ظهر اليوم أو بعده بقليل , كان اليوم جمعة لكن فاتتنا الصلاة، فصلينا الظهر جماعة بين أسرة الغرفة الصغيرة في الباخرة , وبعد أن تناولنا طعام الغداء , في مطعم الباخرة , وطعام الباخرة بصورة عامة جيد وكثير , بانت عند الأفق الشرقي رؤوس بنايات مدينة اللاذقية وجبالها، وكلما اقتربنا ظهرت البواخر الراسية في الميناء ورأينا المدينة بوضوح , وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر رست الباخرة على الميناء , وبذلك تكون الرحلة من الإسكندرية إلى اللاذقية قد استغرقت ثلاثين ساعة , وبدأ نزول المسافرين , ثم بدأ تنزيل السيارات وكنا بين التفاؤل والحذر لما نحن مقبلون عليه , كانت سيارتنا في أسفل (العنبار) فكانت آخر السيارات نزولاً , وتكررت مأساة الإسكندرية , الحبل يرص حديد السيارة من الأمام والخلف فَيَثْنِيهِ , ثم جاء الأدهى من ذلك , بعد أن ارتفعت السيارة معلقة بالهواء تركها عامل الرافعة على تلك الصورة وبدأ يساوم على ما سوف أدفعه لهم , والسيارة تأن من الحبل , ولم ألتفت إليه وتجاهلته، رغم أن شعوري كان شعور من يرى أمواله تحترق أمام ناظريه ولا يملك لإطفائها شيئاً , أنزلوها على الأرض , وبدأت مرحلة جديدة لإنجاز معاملة إخراج السيارة من كمرك اللاذقية، أنجز كثير من الناس معاملات سياراتهم ومرقوا من بوابة الكمرك، لكن كان هناك في سيارتي إشكال وهي إنها لا تحمل رقماً تجارياً، أي أنها بدون رقم، وعليه لم نستطيع عمل شيء في الليل (لأننا لم نعرف المداخل الصحيحة لإنجاز المعاملة هنا) وظللنا في الميناء بانتظار الصباح.
البحث عن موافقة في دمشق
السبت 16 تشرين الأول 1976م = 22 شوال 1396هـ
قضيت الليل في السيارة أمام بناية كمرك الميناء , كان نوماً متقطعاً ونزل المطر في آخر الليل , كان الجو جميلاً رغم ذلك , وأقبل الصباح وبدأنا نجهز أنفسنا للصباح , وكان أبو أكرم , وهو مخلص كمركي , قد وعد أن يحضر في أول الصباح حتى يطوف بنا على المكاتب، المعاملة تحتاج إلى (بيان كمركي) وهو ما يتطلب مصروفات بحدود (1200 ليرة) أي ما لا يقل عن (110) دينار عراقي , وهو مبلغ كبير لاسيما أن معظمه يذهب , ولا يسترد منه إلا جزء يسير , وحاولنا أن نحصل على موافقة بالاكتفاء بعمل (بطاقة استيراد مؤقت) نمر بها من خلال الأراضي السورية , وهو ما لا يتطلب إلا اليسير من الفلوس , وقَدَّمْنَا طلبات إلى مدير كمرك اللاذقية , أنا ومعي عراقي آخر عنده سيارة مشابهة , لكن مدير الكمرك رفض منح الموافقة
¥