تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا الموقف التفسيري الذي نسب فيه أبو يعرب للملائكة الاعتراض على حكم الله مع أنهم بنص القرآن هم الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، موقف ساقط في اعتبار علماء الدين وجمهور أئمة المفسرين، ولا يلتفت إليه إلا ذو خلل في فكره، وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم. (ج1/ص337) وقال الإمام الطبري: ذلك من الملائكة استخبار لربها، بمعنى: أعلمنا يا ربنا .. لا إنكارا منها لما أعلمها ربها أنه فاعل. (ج1/ص499)

أما من حيث الأمانة والتوثيق، فإن أبا يعرب يُعرب من خلال كتابه هذا على أنه أبعد ما يكون من الأمانة والتوثيق والدقة في نقل الأقوال ونسبتها إلى أصحابها، وفي نظري فإن مرجع هذا الخلل إلى سوء فهمه لكلام العلماء حتى لا أتهمه بتحريف أقوالهم، وكمثال واضح جلي على هذا ما سطره في حق الإمام الفخر الرازي من كلام باطل، فقد قال في ج1/ص36 بعد كلام متهافت: " وهو ما يدحض حجة الرازي ضد الغزالي" ثم كتب في هامش رقمه (34) انظر مناظرات فخر الدين الرازي المناظرة العاشرة، فالرازي يتصور النبوة وساطة من جنس وساطة الإمام التي يدافع عنها الحسن الصباح. ثم قال: لكن الرازي بقانون التأويل الذي أطلقه ينتهي إلى أن على المرء أن يختار بين الفهم الشيعي والفهم الفلسفي ويلغي إمكانية للفهم السني. (ص224)

إني وبعد تأمل ما كتبه المرزوقي في هذا الموضع بالتحديد أرثي لحاله، وأعلم يقينا بُعده كل البعد عن الأمانة والفهم والدقة، لا سيما عندما يتطرق إلى مسألة متعلقة بمباحث أصول الدين مبادئه ومقاصده، ففي هذه المسألة بين فيها الفخر الرازي وجه الرد على الملاحدة التعليمية القائلين بوجوب الاستناد على الإمام المعصوم في تحصيل المعارف، تقف على هذا الرد في كتابه المحصل، وفي المناظرة المذكورة أيضا، وهو موافق لذلك كل الموافقة للإمام الغزالي وإن خالفه في منهج الاستدلال، ومع هذا تجد أبا يعرب المرزوقي يتهم الفخر بمضادة الغزالي، بل وينسب للفخر كلاما متهافتا يجعله موافقا للشيعة أو الفلاسفة، وسيعلم جميع هذا وأكثر من سيقف على كتابه هذا المسمى زروا (الجلي في التفسير) ويرجع إلى كتاب فضائح الباطنية للإمام الغزالي ومناظرات الإمام الفخر الرازي، إنما تكفي هنا الإشارة.

إن ظاهرة المرزوقي ظاهرة مؤسفة حقا، والرجل إذا بلغ إلى سنه يصعب جدا رجوعه إلى الحق أو الإنصات إلى من يرشده إليه، فضلا عن كون منهجه وطبيعة تكوينه لا تخول له الكلام عن القرآن ولا المباحث الأصولية ولا الكلامية، ومن الطوام الكثيرة قوله الخطير في ج1/هامش (14) العقائد حقائق مطلقة، لكن علمها ليس علما مطلقا، بل هو اجتهاد يحاول أن يجد بالبناء المعرفي العقلي ما يؤمن به بالتسليم الوجداني، وهذا يصح على علم الطبيعة صحته على علم الدين، ففي علم الطبيعة الاعتقادُ في وجود العالم والمدارك الحسية إيمان لا يزعزعه شيء، ولا يمكن إثباته عقليا، لكن علمنا به جهاز تصوري نبنيه خطة لفهم هذا المعطى الذي نؤمن بوجوده ولا نستطيع إثباته بالعقل، وكذلك الأمر في علم الدين فإن الاعتقاد في وجود الله والمدارك الروحية هو كذلك إيمان لا يزعزعه شيء، ولا يمكن إثباته عقليا كما لا يمكن دحضه عقليا. اهـ

نعم، هكذا يتكلم أبو يعرب المرزوقي، يجمع بين المتناقضان، ويرفعهما كيف شاء، ويصادم ما اتفق عليه جميع المسلمين المتوافقون منهم والمختلفون، وعجبا كيف يحكم باستحالة وجود الدليل العقلي على أمر معلوم بضرورة العقول، فإن ضرورة العقل قاضية بوجود العوالم حولنا، وهي معرفة بديهية عقلية أصولها حسية، ينسب إلى السفسطة من ينكرها، فكيف يدعي المرزوقي أنه لا يمكن إثبات العلم بوجود العوالم عقلا، فهذا جهل محض.

وكيف يخالف ما اتفق عليه المسلمون قاطبة من وجود وإمكان إقامة الدليل القطعي العقلي على وجوب وجود الله سبحانه وتعالى؟ مع عدم التعارض مع من يقول بأن الإيمان بوجوده تعالى فطري لا يتزعزع؟ ولم يكتف بذلك بل رفع النقيضين فحكم بعدم وجود الدليل العقلي على وجود الله، وبعدم وجود الدليل العقلي على عدم وجوده، وأدنى درجات العقلاء هو عدم الجمع بين النقيضين وعدم الحكم بارتفاعهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير