تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رابعاً: أن الاستنباط نتيجة للتدبر فهو فرع منه، وذلك أن التدبر هو الوقوف مع الآيات والتأمل فيها فينتج من ذلك الاستنباط.

ثالثاً: الفرق بين التدبر والتفكر

بينهما تقارب ولذا فقد يجتمعان في شيء واحد فيقال تفكر في الكلام وتفكر في الخلق، والفرق بينهما من من وجهيم:

أولاً: أن التفكر أظهر في النظر في الآيات الكونية الواقعة والمشاهدة كما قال تعالى {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس، وهذا غالب استعمال القرآن. وقد يأتي بمعنى التفكر في الآيات القرآنية كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل.

أما التدبر فهو أظهر في النظر في الآيات القرآنية كما قال تعالى {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون:68].

ثانياً: أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب والتفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل () ..

وقد أبان ابن القيم الفرق بين التدبر والتأمل والتفكر والنظر والتذكر والاعتبار والاستبصار فقال:

" هذه معانٍ متقاربةٌ تجتمع في شيءٍ، وتتفرق في آخر:

فيسمى تفكرا لأنه استعمال الفكرة في ذلك وإحضاره عنده.

ويسمى تذكراً لأنه إحضار للعلم الذي يجب مراعاته بعد ذهوله وغيبته عنه.

وكل من التذكر والتفكر له فائدة غير فائدة الآخر فالتذكر يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فيه ويثبت ولا ينمحي فيذهب أثره من القلب جملة، والتفكر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلا عند القلب فالتفكر يحصله والتذكر.

ويسمى نظراً لأنه التفات بالقلب إلى المنظور فيه.

ويسمى تأملاً لأنه مراجعة للنظر كرة بعد كرة حتى يتجلى له وينكشف لقلبه.

ويسمى اعتباراً وهو افتعال من العبور لأنه يعبر منه إلى غيره فيعبر من ذلك الذي قد فكر فيه إلى معرفة ثالثة وهي المقصود من الاعتبار، ولهذا يسمى عبرة؛ إيذانا بأن هذا العلم والمعرفة قد صار حالا لصاحبه يعبر منه إلى المقصود به.

ويسمى تدبراً لأنه نظر في أدبار الأمور وهي أواخرها وعواقبها .. وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره ثم يعيد نظره مره بعد مرة ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين.

ويسمى استبصاراً وهو استفعال من التبصر وهو تبين الأمر وانكشافه وتجليه للبصيرة" ().

القسم الثاني الدراسة التطبيقية: التحليل والاستدلال.

بعد أن تبين لنا مفهوم التدبر وما يتضمنه، والعلاقة بينه وبين المصطلحات الأخرى، ولتحقيق هذا المفهوم فإنني سأفصل القول في هذا القسم بذكر الأدلة من القرآن والسنة وأقوال السلف وأحوالهم مما يؤكد ذلك ويجليه، ليطمئن قلب القارئ، وليكون ذلك تطبيقاً عملياً بالأمثلة من أحوال السلف الصالح الذين هم أكمل الناس تمثلاً للتدبر الأمثل، فهم الأسوة والقدوة، ولا سبيل لتحقيق التدبر والانتفاع بالقرآن إلا باتباع منهجهم والاقتداء بهم، كما قال مالك رحمه الله: (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).

وسأورد الأدلة والشواهد حسب التعريف:

المحور الأول: أدلة الوقوف مع الآيات والتأمل فيها:

قولنا بأن التدبر يتضمن الوقوف مع الآيات والتأمل فيها يدل عليه أمور:

أولاً: الأدلة من القرآن.

القرآن دال على من لوازم التدبر وأركانه الوقوف مع الآيات والتأمل فيها: من وجوه:

1 - أن الآيات الواردة في التدبر قد جاءت كلها معترضة في سياقات مختلفة غير سياق الحديث عن القرآن: فقوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} وردت معترضة الأمر بطاعة الرسول ? والاستجابة له والرجوع في الحكم إليه. وقوله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وردت معترضة الأمر بالصدق في الاستجابة والإذعان وعدم التولي. وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِين} [المؤمنون: 68] وردت معترضة في سياق الأمر بالإيمان بالنبي ? والاعتراف به وعدم الاستكبار. وقوله تعالى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير