تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 - روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لا تهذوا القرآن كهذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب) ().

5 - قال بعضهم:إني لأفتتح السورة، فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها، حتى يطلع الفجر ().

6 - روي عن عباد بن حمزة قال: دخلت على أسماء وهي تقرأ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27]، قال: فوقَفَتْ عليها فجعلت تستعيذ وتدعو، فذهبتُ إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي فيها بعد تستعيذ وتدعو " ().

وشواهد ذلك كثيرة سيأتي بيانها فيما بعد بإذن الله.

ثالثاً: اللغة:

اللغة تدل على تضمن التدبر للوقوف مع الآيات والتأمل فيها من وجهين:

الأول: أن الوصول إلى أواخر الكلم ونهاياتها الذي هو أصل التدبر أمر يحتاج إلى وقوف مع الآيات وطول نظر وتأمل.

الثاني: مجيء التدبر على وزن التفعّل، وهو ما يحتاج إلى بذل جهد وإعمال عقل وإمعان نظر، وإلقاء سمع؛ للوصول إلى ما وراء الألفاظ من المقاصد والمعاني والدلالات والهدايات.

يقول ابن القيم رحمه الله:" وتدبر الكلام أن ينظر في أوله وآخره ثم يعيد نظره مرة بعد مرة، ولهذا جاء على بناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين" ().

والأدلة على أن الوقوف مع الآيات يكون (بإحضار القلب وإلقاء السمع وإمعان النظر وإعمال العقل) ظاهرة منها:

1 - قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].

فقوله {له قلب} وقوله {وهو شهيد} دال على لزوم حضور القلب.

قال السعدي: " {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي: قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع، وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها، استماعًا يسترشد به، وقلبه {شَهِيدٌ} أي: حاضر، فهذا له أيضا ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى " () ..

وقوله {أو ألقى السمع} دال على حضور السمع وإنصاته وإصغاؤه.

قال ابن كثير: " وقال الضحاك: العرب تقول: ألقى فلان سمعه: إذا استمع بأذنيه وهو شاهد يقول غير غائب. وهكذا قال الثوري وغير واحد" ().

وقال ابن القيم: " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله?) ().

2 - قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)]} [يس:69 - 70].

قال السعدي: " {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي: حي القلب واعيه، فهو الذي يزكو على هذا القرآن، وهو الذي يزداد من العلم منه والعمل، ويكون القرآن لقلبه بمنزلة المطر للأرض الطيبة الزاكية" ().

والدليل على أن التدبر شامل للتأمل فيما وراء النص من إدراك المغزى، وفهم المعنى، واستخراج الدلالات والهدايات عدة أمور هي:

أولاً: إدراك مغزى الآيات: لأن القرآن الكريم له مقاصد وغايات جاء لتحقيقها في حياة الأفراد والمجتمعات وهي غايات عامة، فلابد أن يكون من غرض المتدبر الوقوف على مقاصد الآيات وغاياتها ليدركها ويحققها في نفسه.

قال د. أحمد آل سبالك: " أما المعنى الاصطلاحي لتدبر القرآن كما ورد في كتب التفسير فهو التفكر في غايات القرآن ومقاصده التي يرمي إليها " ().

وقالت الدكتور رقية العلواني: " والتدبر إعمالُ الذهن والفكر للتوصلِ إلى مقاصدِ الآياتِ وأهدافها، وما ترمي إليه " (). .

ثانياً: فهم المعنى: لأن التدبر يستلزم فَهْم معاني الآيات؛ كما يقول ابن جرير رحمه الله-: "محال أنْ يُقَال لمن لا يَفهم ما يُقَال له،و لا يَعْقِل تأويلَه: "اعتبرْ بِما لا فَهْم لك به،و لا مَعْرفة مِن القيل والبيان" إلا على معنى الأمْرِ بأنْ يَفْهَمه،و يفقهه،ثم يتدبره،و يعتبر به،فأَمَّا قَبْل ذلك فمستحيلٌ أَمْرُهُ بتدبُّره،و هو بمعناه جاهِلٌ " ().

قال الشوكاني: " إِنَّ التدبر هو التأمُّل؛ لفهم المعنى .. " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير