تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثاً: استخراج دلالاتها وهداياتها: لأنها هي أواخر الكلم ونهاياته وهي المقصودة أصلاً، فلابد أن يتضمنها التدبر. وهي ما يسمى بالاستنباط الذي هو استخراج ما خفي من النص القرآني الظاهر المعنى ().

قال ابن عاشور: " معنى {يتدبَّرون القرآن} يتأمّلون دلالته، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يتأمّلوا دلالة تفاصيل آياته على مقاصده التي أرشد إليها المسلمين، أي تدبّر تفاصيله؛ وثانيهما: أن يتأمّلوا دلالة جملة القرآن ببلاغته على أنّه من عند الله، وأنّ الذي جاء به صادق" ().

قال عبد الرحمن حبنكة: " التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " ().

وقال د. أحمد آل سبالك: " والتدبر يعني ألا يقف القارئ على ظاهر المعنى بل يتطلب منه التفكر بعمق، والتأمل بإمعان إلى الجوهر وإدراك المعنى المقصود من حيث خصوصية المعنى مع شموله لجميع الظروف والأحوال " ().

ومما يشهد لدخولها في التدبر ما استدل به ابن القيم في قوله: " فصل في {أفلا يتدبرون القران} فإن قلت: إنك قد أشرت إلى مقام عظيم فافتح لي بابه واكشف لي حجابه وكيف تدبر القران وتفهمه والإشراف على عجائبه وكنوزه وهذه تفاسير الأئمة بأيدينا فهل في البيان غير ما ذكروه قلت: سأضرب لك أمثالا تحتذي عليها وتجعلها إماما لك في هذا المقصد.

قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)} [الذاريات 24 - 30].

فعهدي بك إذا قرأت هذه الآية وتطلعت إلى معناها وتدبرتها فإنما تطلع منها على أن الملائكة أتوا إبراهيم في صورة الأضياف يأكلون ويشربون وبشروه بغلام عليم وإنما امرأته عجبت من ذلك فأخبرتها الملائكة أن الله قال ذلك ولم يتجاوز تدبرك غير ذلك فاسمع الآن بعض ما في هذه الآيات من أنواع الأسرار:

فكم قد تضمنت من الثناء على إبراهيم؟.

وكيف جمعت الضيافة وحقوقها؟.

وما تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة؟.

وكيف تضمنت علما عظيما من أعلام النبوة؟.

وكيف تضمنت جميع صفات الكمال التي ردها إلى العلم والحكمة؟.

وكيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها ثم أفصحت وقوعه؟.

وكيف تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذبة؟.

وتضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما

وتضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده وصدق رسله وعلى اليوم الأخر

وتضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوف من عذاب الآخرة وهم المؤمنون بها

وإما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها فلا ينتفع بتلك الآيات

فاسمع الآن بعض تفاصيل هذه الجملة ....... " ().

ثم فصل في بيانها بما لا حاجة لذكره.

فظهر بذلك أن استخراج الدلالات وأسرار التعبير من التدبر، ولذلك قال في سياق كلامه: " فعهدي بك إذا قرأت هذه الآية وتطلعت إلى معناها وتدبرتها فإنما تطلع منها على ... "

المحور الثاني: أدلة وشواهد التفاعل مع الآيات:

التفاعل مع الآيات شامل لتفاعل القلب واللسان والجوارح، والقصد منه أن يكون خارجاً من كونه حاكياً للكلام إلى كونه ممتثلاً له يعلم أنه هو المقصود والمخاطب به.

فأما تفاعل القلب فهو بالإيمان به والتعظيم الباعث على الخضوع والانقياد.

أما الإيمان به: فهو يشمل الإيمان والتصديق ابتداءً بأنه كلام الله تعالى أنزله هدى للناس، واستحضار مقاصده العامة، وأنه لا سبيل للنجاة إلا به.

وصدق الله تعالى حيث قال: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: 121].

قال مالك بن دينار: (أقسم لكم لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا صدع قلبه) ().

وقال الإمام البخاري: (لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا الموقن) ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير