والإيمان به يتضمن أيضاً شعور القارئ بأنه مقصود في الخطاب والأمر والنهي.
قال الحسن: " إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله، وإن من كان قبلكم رأوه رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار " ().
وقال أبو حامد الغزالي عند حديثه عما سماه التخصيص: " أن يقدر قارئ القرآن الكريم أنه المقصود بكل خطاب ورد فيه، فإن سمع أمراً أو نهياً قدّر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعداً أو وعيداً فكمثل ذلك .. " ().
وقال ابن قدامة: " ينبغي لتالي القرآن أن يعلم أنه المقصود بخطاب القرآن ووعيده، وأن القصص لم يرد بها السمر بل العبر) ().
وأما التعظيم: فهو تعظيم الكلام وتعظيم المتكلم به وهو الله تعالى؛ تعظيماً يبعث على الخضوع والانقياد والامتثال، تأمل كيف كان حال النبي ? عند نزول القرآن عليه:
فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله ? فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله ?: (أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحياناً يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول) (). .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله ? إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربَّد له جِلده) (). (أي تغير بمثل القشعريرة).
فانظر كيف كان عظم أمر الوحي في نفس رسول الله ?.
وتأمل قول الله تعالى في وصف أهل القرآن:
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23].
فانظر كيف وصفهم بالقشعريرة من خشيتهم لربهم وتعظيمهم له وتعظيماً لكلامه تعالى عند سماعه وقراءته، وذلك الذي بعثهم على الخضوع له والانقياد، ولذلك قال بعدها: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
وبهذا نعلم بأن التدبر لا يكون إلا بالتعظيم.
قال أبو حامد الغزالي في أعمال الباطن في التلاوة:
" فالأول فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه .... فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه.
والثاني التعظيم للمتكلم فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وإن في تلاوة كلام الله عز و جل غاية الخطر" () ..
وأما تفاعل اللسان: فيكون في عدة أمور:
منها: تحسين القراءة وترتيلها والتغني بها من غير تمطيط مفرط يغير النظم، وذلك سنة، ويشهد لذلك:
ما أخرجه أصحاب السنن وغيرهم عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال ?: ((حسنوا القرآن بأصواتكم)) () ..
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ?: ((ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)) زاد مسلم ((لنبي حسن الصوت)) () ..
وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ?: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) () .. قيل أراد به الاستغناء، وقيل أراد به الترنم وترديد الألحان به وهو أقرب عند أهل اللغة.
وعن عمر رضي الله عنه أن النبي ? استمع إلى ابن مسعود وهو يقرأ فوقف طويلا ثم قال ?: ((من أحب أن يقرأ القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)) () ..
منها: قراءة القرآن بترسل وترتيل وعلى مكث:
وقد جاء القرآن بالأمر بذلك ومنه:
1 - قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4]
¥