تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وعند ذكر الله وصفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعاً لجلاله واستشعاراً لعظمته.

وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولداً وصاحبة يغض صوته ويكسر في باطنه حياء قبح مقالتهم.

وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقاً إليها. وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفاً منها

فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكياً في كلامه:

فإذا قال {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15] ولم يكن خائفاً كان حاكياً.

وإذا قال {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4] ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكياً.

وإذا قال {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ} [إبراهيم:12] فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة.

فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان ... " () ..

المحور الثالث: أدلة وشواهد قصد الانتفاع والامتثال:

وهذا هو بيت القصيد ومحط الراحل وغاية المتدبر.

وإنما قلنا بتضمن التدبر لقصد الانتفاع والامتثال لأن الغاية من قراءة القرآن هي الانتفاع والامتثال، والتدبر وسيلة لذلك فلابد أن يتضمنه التدبر الذي هو مقصد نزول القرآن.

أما قصد مجرد التلاوة، أو مجرد العلم بالمعنى دون قصد الانتفاع والامتثال فذلك أمر قاصر عن التدبر.

قال عبد الرحمن حبنكة: " ليس الغرض من التدبر مجرد الترف العلمي، والافتخار بتحصيل المعرفة، والتوصل إلى كشف المعاني للتعالي بمعرفتها واكتشافها، وإنما وراء الفهم غرض التذكر والعظة، والعمل بموجب العلم، وهذا التذكر المقصود لا يحظى به إلا أولو الألباب " ().

والانتفاع المقصود هنا هو الإيمان والعلم:

قال شيخ الإسلام: " والإنسان يقرأ السورة مرات حتى سورة الفاتحة ويظهر له في أثناء الحال من معانيها ما لم يكن خطر له قبل ذلك حتى كأنها تلك الساعة نزلت فيؤمن بتلك المعانى ويزداد علمه وعمله، وهذا موجود في كل من قرأ القرآن بتدبر بخلاف من قرأه مع الغفلة عنه" ().

أما الإيمان فالمقصود به ماتورثه القراءة من زيادة الإيمان والخشية، وهو أعظم غايات الانتفاع بالقرآن وثمراته ويشهد لذلك:

1 - قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

2 - قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124].

فتأمل التعبير في الآيتين بقوله {زادتهم} مما يدل على أن أعظم آثار القرآن هو الإيمان، وذلك لا يكون إلا بالتدبر، فالإيمان إذاً مقصد من مقاصد المتدبر للقرآن

3 - قوله تعالى: ?الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون? [20].

فتأمل قوله {يتلونه حق تلاوته} ثم عقبها بقوله {أولئك يؤمنون به} مما يدل على أن التلاوة المصاحبة للتدبر مؤدية للإيمان.

وأما العلم فالمقصود به أمران:

أولاً: العلم بما تضمنته الآيات من المعاني والدلالات.

الثاني: العلم بما تضمنته الآيات مما يلزم الامتثال له من الأوامر والنواهي، وما يلزم الاتعاظ به من الوعد والوعيد، والعبر والسنن الإلهية.

ويشهد لذلك:

1 - قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير