تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مع أن هذا التفسير الذي اتفق عليه المفسرون كما قال الرازي هو أيضا الموافق لآية الأنفال والموافق للسياق؛ فـ"ما" في الآية مجملةلكن كيف نفصل إجمالها؟ نفصله من القرآن؛ فنجد آية الأنفال قد فصلته، والمجمل يطلب تفصيله من القرآن أولا، كما قال السيوطي في الاستشهاد أعلاه، وقد مثل العلماء لذلك بآية الزخرف: "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم"، فـ"ما" في هذه الآية مجملة، لكن فسرتها آية النحل: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم"، وكذلك آياتنا التي هي موضوع هذا الكلام؛ فـ"ما" فيها مجملة فصلتها آية الأنفال. وإذا كان المجمل مفصلا في الكتاب أو في السنة فلا يصح العدول عنهما إلى الاحتمالات اللغوية والعقلية؛ ففي قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"، لا يصح أن نحمل الصلاة والزكاة على كل مدلولاتهما اللغوية؛ لأن هذه المجملات مبينة في الكتاب والسنة؛ فلا يصح مثلا أن نحمل الصلاة على الدعاء ولا أن تحمل الزكاة على عموم الإنفاق. قال السيوطي في الإتقان: (في النوع السادس والأربعين في مجمله ومبينه): "وقد يقع التبيين بالسنة مثل: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" "ولله على الناس حج البيت"، وقد بينت السنة أفعال الصلاة والحج ومقادير نصب الزكوات في أنواعها". وقال أيضا في الإتقان (في النوع الثمانين في طبقات المفسرين): "ثم صار كل من يسنح له قول يورده، ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير، حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" نحو عشرة أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم، حتى قال ابن أبي حاتم: "لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين". وما أشبه الليلة بالبارحة!!

بعد القرآن الكريم نطلب التفسير من الحديث الشريف، لكن يجب الاحتراس عند استمداد التفسير من الحديث الشريف؛ لكثرة الضعيف والموضوع في التفسير؛ قال الزركشي في البرهان: "للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة: الأول: النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو الطراز المعلم لكن يجب الحذر من الضعيف منه والموضوع؛ فإنه كثير، ولهذا قال أحمد: "ثلاث كتب لا أصل لها المغازي والملاحم والتفسير". وقال المحققون من أصحابه: مراده أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإن لاَّ فقد صح من ذلك كثير كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي في قوله: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". قال السيوطي في الإتقان (في النوع الثامن والسبعين في معرفة شروط المفسر وآدابه) معلقا على كلام الزركشي: "قلت: الذي صح من ذلك قليل جدا، بل أصل المرفوع منه في غاية القلة".

وقد ورد في تفسير هذه الآية الحديث: "قال الرب وعزتي وجلالي .. " إلخ، ويقال فيه ما قاله الإمام الشاطبي في حرز الأماني (البيت: 97):

وقد ذكروا لفظ الرسول فلم يزد ولو صح هذا النقل لم يبق مجملا

فالاحتجاج بهذا الحديث مترتب على صحته، ولم أقف على سند صحيح لهذا الحديث؛ فقد أخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش، بسند فيه الهيثم بن الأشعث السلمي وأبو حنيفة اليمامي، وهما مجهولان، إضافة إلى أن راوي الحديث عن علي قد اضطربت المراجع في اسمه؛ فالذي في المخطوطة الوحيدة لكتاب العرش: "عمير بن عبد الله"، وفي بعض المراجع التي نقلت الحديث عن كتاب العرش: "عمر بن عبد الملك" وفي بعضها: "عمير بن عبد الملك" وفي بعضها: "عدي بن عميرة الكندي"، وهذا الأخير هو الذي توقع د. التميمي أنه الصحيح. (انظر: الحديث: 19، من طبعتي الكتاب: كتاب العرش - تحقيق: محمد بن حمد الحمود – مكتبة المعلا – الكويت – ط1 – 1406هـ/1986م. و: محمد بن عثمان بن أبي شيبة وكتابه العرش دراسة وتحقيق – د. محمد بن خليفة التميمي – مكتبة الرشد الرياض و/شركة الرياض للنشر والتوزيع – ط1 – 1418هـ/1998م). وقال ابن كثير في تفسيره معلقا على هذا السند: "وهذا غريب، وفي إسناده من لا أعرفه". وقال عنه الذهبي في كتاب العلو (الحديث: 123) بعد أن عزاه إلى كتاب العرش: "ورواه العسال في كتاب المعرفة عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير