تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المنهج الإشاري، وهو لا يسمى تفسيرا اصطلاحا كما تقدم، ولذلك نجد في كلامه ما لا نجده عند أحد من المفسرين المتقدمين؛ لأنه لم يقصد بكلامه التفسير وإنما قصد الإشارة كما تقدم عن السيوطي وابن عطاء الله، ومن ذلك الوجوه الكثيرة التي ذكر في هذه الآية فمن الصعب نسبتها إلى التفسير الاصطلاحي؛ فهو يقول: "وإذا غيروا ما بهم إلى الطاعات غير الله ما بهم منه من الإحسان والنعمة، وإذا كانوا في نعمة فغيروا ما بهم من الشكر لله تغير عليهم ما من به من الإنعام فيسلبهم ما وهبهم من ذلك، وإذا كانوا في شدة لا يغير ما بهم من البلاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أخذوا في التضرع، وأظهروا العجز غير ما بهم من المحنة بالتبديل والتحويل. ويقال: إذا غيروا ما بألسنتهم من الذكر غير الله ما بقلوبهم من الحظوظ فأبدلهم به النسيان والغفلة، فإذا كان العبد في بسطة وتقريب، وكشف بالقلب وترقب، فالله لا يغير ما بأنفسهم بترك أدب، أو إخلال بحق، أو إلمام بذنب. ويقال: لا يكف ما أتاحه للعبد من النعمة الظاهرة أو الباطنة حتى يترك ويغير ما هو به من الشكر والحمد. فإذا قابل النعمة بالكفران، وأبدل حضور القلب بالنسيان وما يطيح به من العصيان، أبدل الله تعالى ما به من النعمة بالحرمان والخذلان، وسلبه ما كان يعطيه من الإحسان. ويقال: إذا توالت المحن وأراد العبد زوالها فلا يصل إليه النفض منها إلا بأن يغير ما هو به؛ فيأخذ في السؤال بعد السكوت، وفي إظهار الجزع بعد السكون، فإذا أخذ في التضرع غير ما به من الصبر".

وأما السيوطي (ت: 911هـ) فهو متأخر أيضا عن الرازي، ثم إن السيوطي لم يفسر هذه الآية بأن المغير فيها شر، وإنما روى الحديث فقط بلا تعليق عليه، وهذه هي منهجيته في كتابه "الدر المنثور" فهو لا يزيد على الرواية بلا تعليق عليها، كما يقول في مقدمته: "وبعد: فلما ألفت كتاب "ترجمان القرآن" وهو التفسير المسند عن رسول الله وأصحابه رضي الله عنهم وتم بحمد الله في مجلدات، فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله، ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإسناد وتطويله، فخلصت منه هذا المختصر مقتصرا فيه على متن الأثر، مصدرا بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر". وكذلك من نقل عنهم السيوطي وهم ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه؛ فمنهجية هذين الأخيرين أنهما ينقلان فقط الأحاديث والآثار بدون تعليق عليها، كما يقول السيوطي في الإتقان (في النوع الثمانين في طبقات المفسرين): "وبعدهم ابن جرير الطبري وكتابه أجل التفاسير وأعظمها، ثم ابن أبي حاتم وابن ماجه والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ بن حيان وابن المنذر في آخرين، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك، إلا ابن جرير فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط فهو يفوقها بذلك". فلا يصح أن ينسب لواحد من هؤلاء قول في المسألة لمجرد أنه نقل هذا الحديث في كتابه، وقد تقدم ما في الاستدلال بهذا الحديث.

وتقدم أيضا الكلام على حجية الإجماع في التفسير، وتقدم أن صحة المدلول لا تستلزم صحة الاستدلال؛ فالتفسير المحدث صحيح تدل عليه آيات وأحاديث، لكن صحته لا تستلزم أن آية الرعد تدل عليه، ولو كانت صحة المدلول تستلزم صحة الاستدلال لصح الاستدلال بكل آية من القرآن على هذا المعنى، لمجرد أنه صحيح.

وعموم "ما" في هذه الآية ليس دليلا؛ لأنها مجملة أو مبهمة حسب تعبير أبي حيان لا يتبين المراد بها إلا بالسياق أو بتبيينها بآية الأنفال، يقول أبو حيان: "و"ما" موصولة صلتها "بقوم"، وكذا "ما بأنفسهم". وفي "ما" إبهام لا يتغير (كذا بالأصل، ولعل الصواب: يتميز) المراد منها إلا بسياق الكلام، واعتقاد محذوف يتبين به المعنى، والتقدير: "لا يغير ما بقوم من نعمة وخير إلى ضد ذلك، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعته إلى توالي معصيته، ( .. ) ولما كان سياق الكلام في الانتقام من العصاة اقتصر على قوله: "سوء". وقد نص ابن عاشور أيضا على أن السياق يمنع إرادة هذا التفسير المحدث، ونص سيد قطب على أن السياق يرجح تفسير المتقدمين، كما تقدم. ونص ابن كثير على الربط بين الآيتين، ونص الشنقيطي على أن آية الأنفال مبينة لآية الرعد، أي: أن آية الرعد مجملة، وإلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير