تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عقدة علي بك فوزي]

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[29 Aug 2010, 12:18 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

علي بك فوزي شخصية مغمورة ربما لم يسمع بها الكثيرون، لكنه يمثل في رأيي ضحايا الاستلاب الحضاري، الذين اتبعوا سنن الذين من قبلنا شبرا بشبر وذراعا بذراع؛ فانسلخوا من المبادئ والثوابت الإسلامية وأصبحوا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟! " (متفق عليه).

لقد نشأت هذه النابتة بعد أن انهزم المسلمون واحتل الاستعمار بلادهم، فاتبع هؤلاء أهواء المستعمرين وشرعوا لهم من الدين ما لم ياذن به الله، وحرفوا الإسلام ليتلاءم مع كل ما جاء به الاستعمار، حتى يصير الإسلام مجرد نسخة من أهواء المستعمرين.) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم (.

والغريب أن هؤلاء لا يستقون مواقفهم من تفكير سليم أو إعمال للعقل؛ فلم يعملوا بالنقد الحضاري فيأخذوا من الحضارات الأخرى إيجابياتها، وإنما اقتصر تأثرهم بها على القشور، وتصرفوا بانبهار صبياني ساذج لا يميز بين النافع والضار ولا بين القشر واللباب، وإنما يؤكد لنا القاعدة الخلدونية: "المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده". وقد انتشر سرطان الفكر الانهزامي في عقول هؤلاء حتى أعماهم عن التفكير العقلي السليم، فصاروا يعتقدون أن الاستعمار هو حتمية تاريخية لا مناص منها ولا مرد لها، وليس أمام المسلمين إلا الاستسلام لها، كما يقول علي بك فوزي حسب ما نقله عنه الكاتب الشهير أحمد أمين (حياتي: 213): "ورأيي أن التيار الغربي لا يمكن مقاومته؛ فخير أن نستعد للسير فيه قبل أن يجرفنا رغم أنوفنا".

يحدثنا الكاتب الشهير أحمد أمين في مذكراته "حياتي" عن علي بك فوزي فيسميه أستاذه!! وقد التقى أحمد أمين بأستاذه هذا بعد فراق طويل، في الأستانة، التي اختار علي بك فوزي أن تكون منفى اختياريا له، وكان ذلك اللقاء سنة: 1347هـ (1928م)، أي: بعد انقلاب مصطفى كمال أتاتورك بسنوات قليلة. ويحدثنا أحمد أمين عن هذا الانقلاب بنغمة إعجاب لا تخفى، ويسميه الإصلاح!! ويقول إنه في زيارته للأستانة أراد أن يطلع على حقيقة هذا الانقلاب، فسأل عنه أستاذه عليا بك فوزي فامتدحه وأثنى عليه، ثم طفق أحمد أمين يحدثنا عن نمط حياة أستاذه علي بك فوزي (حياتي: 218):

"والرجل – من غير شك – شخصية غريبة لم أر مثلها، يحب بلده مصر من صميم قلبه، ويحب المسلمين ويرثي لحالهم، ويتدين تدينا مزيجا من قلبه وعقله؛ فهو يصوم مثلا على طريقة خاصة، فيفطر على كوب من اللبن عند شروق الشمس، ولا يحرم عليه الماء، ويبقى على ذلك إلى موعد الإفطار، فيفطر، ويعني بصيامه عدم كثرة الأكل، والامتناع عن أكل الأشياء الدسمة، والامتناع عن الأقوال والأفعال المؤذية. ومن ما دعاه إلى ذلك أنه كان يسكن في استامبول، فوق جماعة من الإفرنج، يخشى إن هو تسحر في رمضان أن يزعجهم بحركاته، فهو يصوم هذا الصيام الذي ذكرنا من غير سحور".

ولم يعلق أحمد أمين على هذا الطراز من الصيام!!

الغريب أن بعضنا اليوم لا يزال يعاني من عقدة علي بك فوزي؛ فيتلاعب بالإسلام وينسلخ من ثوابته بدون حجة نقلية بل ولا عقلية، بل لمجرد الخوف من أن يتهمه الآخر بالرجعية والتخلف وفساد الذوق!! أو لمجرد الخوف من مخالفة أهواء الآخر وتقاليده!!

) أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مومنين (.

فإلى متى ونحن أسرى عقدة علي بك فوزي؟!

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[01 Sep 2010, 06:00 م]ـ

المصدر:

حياتي – تأليف: أحمد أمين – قدم له الدكتور: عبد العزيز عتيق – دار الكتاب اللبناني – بيروت – لبنان – ط 2 – 1391هـ/1971م.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير