[خديجة بنت خويلد - سيدة نساء قريش]
ـ[عاطف الجراح]ــــــــ[14 Sep 2010, 11:50 م]ـ
موعد مع القدر
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، وأحرصهن على التزام جانب الأمانة، والاحتفاظ بسياج العفة والكرامة
كانت كثيرة المال وافرة الثراء، لها تجارة واسعة ترسلها إلى أسواق العرب مع ما ترسله قريش من قوافلها، وكانت قافلتها تعدل أحيانا قوافل قريش بأجمعها 0
كانت على موعد مع القدر حينما اختارت محمدا ليخرج في تجارتها. فأحسنت معاملته وأجزلت أجره، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله معها فقال: (ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة) ..
وتأنس خديجة إلى صدق رسول الله وأمانته فتطلب منه أن يخرج بتجارتها إلى الشام وترسل معه غلامها ميسرة.
كانت فرحة خديجة كبيرة بتجارتها التي ربحت ضعف ما كانت تربح، ولكن فرحتها بمحمد وحديث ميسرة عن أمانته واستقامته وعفته كانت أكبر.
وأدركت خديجة بحسها المرهف، وعقلها الراجح، أن محمدا صنف آخر من الرجال، وأنه ليس مثل أولئك الذين تقدموا للزواج منها، يطلبونها لشرفها أو لمالها أو لجمالها ..
وإذا كانت قد رفضت في كل مرة زعماء قريش الواحد تلو الآخر، الذين تقدموا إليها .. فإنها تحس في نفسها رغبة ملحة أن تتقدم هي لمحمد وتطلب منه أن يتزوجها. ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأعراف القوم تأبى؟
ذهبت إلى إحدى صديقاتها نفيسة بنت منيه تبثها ما في نفسها، وتطلب مشورتها .. فأشارت عليها أن تقوم هي بهذا الدور، فذهبت إلى محمد تتعرف رأيه وتستطلع خبره، فقالت نفيسة:
ما يمنعك أن تتزوج يا محمد؟ قال:
ما بيدي ما أتزوج به. قالت نفيسة:
فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف، ألا تجيب؟ فسأل محمد:
ومن هي؟ قالت نفيسة: خديجة.
ومن الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفيسة رسولة خديجة، إلى الحوار المباشر معها .. قال رسول الله:
من لي بك وأنت أيم قريش، وأنا يتيم قريش؟ قالت:
يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك.
وهكذا ترفض خديجة كبار شخصيات قريش .. وتُقبل على محمد .. ولم لا .. وهو كما وصفه عمه أبو طالب عندما جاء لخطبتها قال:
(أما ابن أخي محمد فلا يوزن به رجل إلا رجحه شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، وان كان في المال قلا، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة .. وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك).
وهكذا زفت خديجة بنت خويلد بنت الأربعين صاحبة المال والسؤدد، التي يلقبها قومها بالطاهرة، إلى محمد صلى الله عليه وسلم سيد شباب قريش ابن الخامسة والعشرين والذي يلقبه قومه بالأمين.
نعمت الزوجة الصالحة للزوج الصالح
وعاش الزوجان في أمن وأمان، وحب ووئام، فولدت له القاسم ثم زينب ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم ولدت له في الإسلام عبد الله فسمي الطيب والطاهر.
وإذا كانت العناية الإلهية قد هيأت محمدا لدور كبير يقوم به في واقع الحياة البشرية، فيحولها من الظلمات إلى النور .. فإن العناية الإلهية ذاتها، هي التي جاءت بخديجة الكبرى لتكون الزوجة العظيمة، التي ترعى الزوج: بحبها وحنانها وقلبها وروحها. إن من يدرس سيرة هذه الأم العظيمة، لا بد أن يدرك، أنها جاءت على قدر، لتقوم إلى جانب النبي بأعظم وأنبل دور تقوم به امرأة.
أمام الموقف الكبير
كان محمد صلى الله عليه وسلم، بعيدا عن ترهات قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور يتحنث ويتعبد ويتفكر في ملكوت السموات والأرض، وفيما وراءها من قدرة مبدعة.
وكانت خديجة تؤمّن له الهدوء الشامل، والاستقرار الكامل، تأخذ له الطعام إلى الغار إذا أبطأ عنها .. وتكلأه بحبها إذا حضر إليها، كانت مقتنعة بعمله .. مدركة بفطرتها السليمة أن لزوجها شأنا عظيما .. كانت خديجة له ردءا وعونا وحصنا يعتصم به من عوادي الدهر، يستلهم منها الأمن عند الخوف، ويستمد منها القوة عند الضعف، ويجد فيها السكينة عند القلق والاضطراب0
وعلى رأس الأربعين عاما، جاء الحق محمدا وهو في غار حراء، جاءه الملك فقال:
اقرأ، فقلت:
ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فضمني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال:
اقرأ، فقلت:
ما أنا بقارئ، فأخذني فغتني الثالثة، ثم أرسلني فقال:
¥