تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بن حزم: مسألة فقهية]

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[10 Sep 2010, 01:34 ص]ـ

"ثم قالوا: " وإنك مرة تتأسى بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومرة تتخلف عنه، كتنفلك في العيدين في المصلى، ولم يرد بذلك أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تنفل، ولا خالفه أحد من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والعلماء المشاهير في جميع الآفاق، فكلهم اقتصروا على الائتساء به في ذلك، وخالفتهم أنت لولوعك بالاحتجاج، وليرفع الناس رءوسهم إليك. ولو سلكت طريقة من مضى لكان أجمل لك وأولى ".

فالجواب - وبالله تعالى التوفيق - هذا كلام جمعوا فيه الكذب والجهل المظلم، واستحقوا به المقت من الله تعالى. فأما الكذب والجهل، فجسرهم على دعوى الإجماع من الصحابة والتابعين المشاهير في جميع الآفاق على ترك التنفل في المصلى قبل صلاة العيدين، فلو كان لهم مسكة عقل لم يقدموا على مثل هذا، وهذا أيوب السختياني وقتادة صاحباً أنس بن مالك، يذكران أن أنس بن مالك وأبا هريرة كانا يتنفلان في المصلى قبل صلاة العيدين، وذكر أيوب انه رأى ذلك من أنس بعينه، ولا يصح عن أحد من الصحابة النهي عن ذلك إلا عن ابن مسعود وحذيفة، وبرواية ساقطة منقطعة. وصح عن ابن عمر أنه كان لا يتنفل في المصلى قبل صلاة العيد، فقيل له: فمن تنفل في المصلى فقال كلاماً معناه: لا يضيع له ذلك عند الله تعالى. وجاء عن

على بن أبي طالب انه خرج إلى المصلى، فرأى الناس يتنفلون، فقيل له: ألا تنهاهم يا أمير المؤمنين فقال: ما كنت بالذي ينهى عبداً إذا صلى. ومن التابعين ممن تنفل في المصلى قبل صلاة العيدين: الحسن البصري وجابر بن زيد وغيرهما. ومن الفقهاء: الشافعي وغيره. قال: حدثنا أحمد بن محمد الخولاني إجازة، حدثنا الطلمنكي إجازة قال: حدثنا ابن عون الله قال حدثنا ابن الأعرابي قال: حدثنا سعدان بن نصر بن منصور المخرمي قال حدثنا معاذ بن معاذ العنبري، حدثنا سليمان التميمي، عن عبد الله الداناج قال: رأينا أبا بردة يصلي يوم العيد قبل الإمام. وبه إلى سليمان قال: رأيت أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن، وسعيد بن أبي الحسن، وجابر بن زيد يصلون قبل الإمام في العيد. فلو سكت هؤلاء الحمير عما لا يحسنون لكان أستر لعوارهم وأخفى لعارهم. فإن قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل قبل الصلاة بالمصلى، قلنا لهم: صدقتم، لأنه كان الإمام عليه السلام، وكان إقباله وتكبريه للصلاة بلا مهلة. وهكذا نقول نحن: من أتى وهو الإمام فليكن إقباله وتكبيره للصلاة معاً. وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنفل يوم العيد بالمصلى، ولو كان مكروهاً لما أغفله حتى يبينه له غيره بالرأي الفاسد، بل قد حض عليه السلام على التنفل جملة، وهذا من التنفل ومن فعل الخير، والله تعالى يقول: {وافعلوا الخير} (سورة الحج: 77). لكن لو أنكروا على أنفسهم البدعة المحضة والضلال الذي في أيديهم بالخطبة قبل الصلاة في العيدين ائتساء بمروان إذ يقول، وقد ذكر له أبو سعيد الخدري السنة في ذلك فقال له مروان: ذهب ما هنالك يا أبا سعيد. وتمادوا على ذلك بعد زوال أمر بني مروان اتباعاً للبدعة وثباتاً على الضلالة. فهذا كان ينبغي لهم أن ينكروا لا تنفل من تنفل بما لم ينه عنه. ونسألهم هل صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل صام أكثر من نصف الدهر، أو صلى أكثر من ثلاث عشرة ركعة من الليل، أو أباح أكثر من قيام ثلث الليل فلابد لهم من الإقرار بأنه لم يأت قط عنه عليه السلام إلا ذلك؛ فمن أين استجازوا أن يستبيحوا خلاف أمره وفعله، فيبيحوا صوم أكثر من نصف الدهر، وقيام اكثر من ثلث الليل، وصلاة أكثر من ثلاث عشرة ركعة، ولم يفعله قط صلى الله عليه وسلم فإن قالوا: قد جاز لك عن بعض الصحابة. قيل لهم: وقد صح تحريم ذلك عن بعضهم أيضاً، فلم أجزتم الفعل المخالف للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمره ولفعله وأنكرتم علينا فعلاً جماعة من الصحابة، ولم يصح النهي عن أحد منهم، ولا نهى عنه قط رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل هذا إلا أحموقة منهم وجهل وغباوة.

وأما قولهم: إننا خالفناهم لولوعنا بالاحتجاج، فقد أريناهم كذبهم، وأننا لم نخالفهم، ولكن أولعنا بالاحتجاج بالقرآن والسنن، فانه لأفضل من ولوعهم باتباع التقليد وخلاف القرآن والسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة والتابعين.

أما قولهم: " ليرفع الناس رءوسهم إلينا "، فكذب واضح، وما أردنا قط الترؤس على أمثالهم، ولو أردنا ذلك لسلكنا سبيلهم في التقليد، ولو فعلنا ذلك لما شقوا غبارنا في الرياسة في الدنيا، هذا ما لا يقدرون على إنكاره، فما منهم أحد يدعي انه يدانينا - ولله الحمد - في حفظ ما طلبوه، ليأكلوا به الخبز الخبيث لا الطيب، من الآراء، لو ملنا إليها أول ميلة، ولكن معاذ الله من ذلك، فما هذه الرياسة عندنا إلا نهاية الخساسة، وأما الذي نطلب الرياسة عنده، فهو الملي بقبول رغبتنا في ذلك لا إله إلا هو.

وأما قولهم: " لو سلكت طريقة من مضى لكان أجمل لك " فنعم ولله الحمد، نحن السالكون طريقة من مضى من الصحابة والتابعين الذين هم الناس حقاً في اتباع القرآن والسنن، ورفض التقليد والقياس، وهم الذين خالفوا من مضى في كل ذلك. فلو اتبعوا طريقة من مضى ليلموا في دينهم، وأما طريق من بعد الصحابة والتابعين من أهل التقليد والقياس، فيعيذنا الله من اتبع طريقتهم وسلوك منهجهم، ونسأل الله العافية من الخزي في ميزانهم، وله الحمد كثيراً على عصمته من ذلك من جميع البدع المضلة حمداً كما هو أهله."

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير