تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

رواية "البشمورى" لسلوى بكر: ما هكذا تُكْتَب، يا سلوى، القِصَص!

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[20 Sep 2010, 07:18 م]ـ

رواية "البشمورى" لسلوى بكر

ما هكذا تُكْتَب، يا سلوى، القِصَص!

د. إبراهيم عوض

(ط3 / مكتبة مدبولى/ 2003م)

قبل نحو عِقْدٍ من الزمان وقعت فى يدى مجموعة قصصية للكاتبة سلوى بكر فوجدت بعضا قليلا منها مقبولا، أما الباقى فلم أر فيه ما يشدنى، وإن لم أندم على إنفاق وقتى فى قراءة المجموعة، إذ تعرفت إلى كاتبة لم أكن قرأت لها رغم سماعى باسمها يتردد فى الصحف والمجلات. ثم سمعت برواية صدرت لها قبل ذلك بقليل اسمها "البشمورى" تتحدث عن تمرد وقع فى شمال الدلتا المصرية أيام المأمون الخليفة العباسى الشهير، فاشتريتها ناويا أن أقرأها لأرى مثار هذه الضجة، إلا أن الظروف شغلتنى بما هو أكثر إلحاحا، مما جعلنى أضع الرواية جانبا على أمل الفروغ لها بعد قليل، لكن الأعوام انصرمت دون أن تتاح لى الفرصة لقراءتها كما كنت أنوى حين اشتريتها ... إلى أن كنت أصحح منذ أيام مادة "القصة" فى امتحانات هذا العام (مايو 2010م) بالقسم فوجدت الطلاب يتحدثون فى الجزء الثانى من أوراق الإجابة، وهو الجزء الخاص بالزميل الذى يشاركنى تدريس المادة، عن ثلاثية خيرى شلبى المعروفة التى تحمل عناوينها بعضا من أسماء ورق الكوتشينة، أو عن "بشمورى" سلوى بكر، حسب السؤال الذى اختاره الطالب للإجابة عليه. فعندئذ، وعندئذ فقط، صح منى العزم على قراءة "البشمورى"، ومعها رواية شلبى: "وكالة عطية"، التى كنت أنزلتها عندى على الكاتوب منذ عامين تقريبا ولم أكن قرأتها بعد، وإن كنت طالعت بسرعة فصلا منها شدنى وقدَّرت فى نفسى أن أرجع إليها فى أقرب فرصة أكون قادرا على مطالعتها بالتركيز المطلوب إذ بدت لى ممتعة، وهو ما فعلته فى الحال، فقد أخرجت نسختها التى عندى من مكمنها على الكاتوب، وشرعت فى قراءتها مستمتعا بها رغم ما فى لغتها من هنات ليست بالقليلة شفع لها حرص كاتبها على استعمال الفصحى دائما على قدر ما يستطيع، وكذلك رغم ما فى بنائها الفنى من بعض الملاحظات، فضلا عما تشتمل عليها من بذاءات عنيفة وغرام بالحديث الشديد التفصيل عن الحشيش وطقوس شربه دونما داع، ودَعْكَ من الجو الاجتماعى والأخلاقى القاتم الذى لا يعطيك فرصة كى تتنفس نسمة هواء نقية إلا فى الشاذ النادر. والعجييب أننى، رغم استمتاعى بالرواية، لم أفكر قط فى كتابة شىء عنها. لقد قَرَّ فى ذهنى أن أقرأها بغرض المتعة ليس إلا، فتركت نفسى مثل شخص يرقد فوق حشية هوائية على سطح بحر هادئ تاركا نفسه للموج بنسيمه المنعش يهدهده دون أدنى تفكير فى أى شىء سوى متعة التمدد مغمض العين على الحشية الحنون.

أما رواية "البشمورى" فتجري أحداثها، كما سبق القول منذ قليل، في عهد الخليفة المأمون، إذ ثار تمرد على الدولة وقتذاك فى منطقة البشمور بشمال الدلتا المصرية شارك فيه نصارى ومسلمون مصريون، ومعهم بعض الأندلسيين. وتبدأ هذه الأحداث بإرسال الكنيسة فى الفسطاط ممثِّلََيْن عنها، هما الشماس ثاونا وبدير خادم الكنيسة، إلى البشامرة لإقناعهم بالتخلِّي عن ثورتهم ضد الدولة. وفي أثناء المسير يصف لنا بدير كل ما يلقاه فى طريقه سواء كان له اتصال بأحداث الرواية أو لا. إنه كالمرشد السياحى لا يترك شيئا يراه دون أن يعلق عليه ويصفه تفصيلا. كما تنهال الذكرياتُ عليه وتتلاحق: فهنا كان مسقط رأسه، وهناك كان غرامُه بفتاة كانت بينه وبينها معاشرة جنسية حبلت منه بسببها، وخطبها أهله لأخيه، الذى لم يكن يعلم شيئا عن هذه العلاقة، فانتحرت ... إلى أن يصلا إلى مركز البشامرة، الذين يرفض زعيمُهم النصرانى المسمى فى الرواية خطأً: "مينا بن بقيرة" فكرة العدول عن الثورة. ثم يأتي جيش الخلافة فيقضى على التمرد. ويفترق بدير عن ثاونا، ويؤخذ أسيرًا ويُنْقَل مع غيره من الأسرى فى طائفة من القوارب إلى أنطاكية مركز المسيحية الشرقية. وتخوض الرواية في تفاصيل حياة الأديرة وعادات الناس، وتعرفنا بعدد من الأماكن اندثرت ولم تذكرها كتب التاريخ. وفي أنطاكية يعمل بدير في خدمة أحد الكهنة، ثم بعد وفاة معلِّمه ينتقل إلى خدمة كاهن آخر ذي ميول شاذة وعلاقات مع بعض الجهات الأجنبية، فيرى أن أفضل طريقة للهروب من خدمة معلِّمه الجديد هي التنكُّر لماضيه الكهنوتى. ثم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير