تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كلمات مضيئة]

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[22 Aug 2010, 06:10 ص]ـ

قال بن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى:

"والعاقل الفاضل نادر جدا وقليل البتة، وهذا يوجد حسا. وقد ورد النص بذلك عن الخالق الأول وعن خيرته المبتعث إلينا صلى الله عليه وسلم،. قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (الأنعام: 116). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً " (رواه مسلم من حديث بن عمر). وأما ما يظنه أهل ضعف العقول من أنه عقل وليس عقلا ولا مدخل للعقل فيه فقد غلطوا في ذلك كثيرا، فإنهم يظنون العقل إنما هو ما حيطت به السلامة في الدنيا ووصل به إلى الوجاهة والمال؛ وهذا إذا كان بطرق محمودة مما لا معصية فيه ولا رذيلة فهو عقل، وأما إذا كان بما أمكن من كذب ومنافقة وتضييع فرض وظلم إنسان ومساعدة على باطل فهو ضد العقل، لأن العقل بعد نهي الله تعالى الوارد علينا بذم هذه الخلال يذمها ذما صحيحا. فكيف يكون عقلا ما يذمه العقل ويفسده وينهى عنه ولم يوجد العقل إلا ذاما لهذه الرذائل ولا ورد الأمر من الله عز وجل قط إلا بذمها. وكذلك ما ظنه آخرون من أن من العقل المحمود الذي لا ينبغي خلافه التزام أزياء معهودة لا معنى لها فليس هذا إذا حصلته إلا حمقا وجهلا وليس هذا من العقل في شيء."

رسائل بن حزم: 4/ 319

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[22 Aug 2010, 02:30 م]ـ

"فتشت على مراتب الحقائق في دار القرار في الآخرة - وإما الدنيا فمحل مبيت بؤسها منقض، وسورها منسي كأن ذلك لم يكن - فوجدتها عشر مراتب، منها ثلاث هي مراتب الملك، والعلو، والسبق.

فأولها: مرتبة عالم يعلم الناس دينهم، فإن كل من عمل بتعليمه أو علم شيئاً مما كان هو السبب في علمه، فذلك العالم والمتعلم شريك له في الأجر إلى يوم القيامة على آباد الدهور، فيا لها منزلة ما أرفعها، أن يكون المرء أشلاء متمزعة في قبره أو مشتغلاً في أمور دنياه وصحف حسناته متزايدة، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب ومواترة عليه من حيث لم يقدر. ويؤيد هذا قوله عليه السلام: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وقوله لعلي: " فوالله يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك من حمر النعم وقوله عليه السلام: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، فذكر عليه السلام ولداً صالحاً يدعو له، وصدقة جارية، وعلماً ينتفع به " وقوله: " من عمل في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده، كتب له مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء ويؤيد هذا قول الله عز وجل: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} (النحل: 25)، وقوله: {وليحملن أثقالهم} (العنكبوت: 13) فأسأل الله أيها الإخوة أن يجعلنا وإياكم من أهل الصفة الأولى، وأن يعيذنا من الثانية. فبشروا من سن القبالات والمكوس ووجوه الظلم بأخزى الجزاء وأعظم البوار في الآخرة، إذ سيئاتهم تتزايد على مرور الأيام والليالي، والبلايا تترادف عليهم وهم في قبورهم؛ ولقد كان أحظى (5) لهم لو لم يكونوا خلقوا من الإنس. واعلموا أنه لولا العلماء الذين ينقلون العلم ويعلمونه الناس جيلاً بعد جيل لهلك الإسلام جملة، فتدبروا هذا وقفوا عنده وتفكروا فيه نعماً، ولذلك سموا ورثة الأنبياء، فهذه مرتبة.

والثانية: حكم عدل، فإنه شريك لرعيته في كل عمل خير عملوه في ظل عدله وأمن سلطانه بالحق لا بالعدوان، وله مثل أجر كل من عمل سنة حسنة سنها. فيا لها مرتبة ما أسناها أن يكون ساهياً لاهياً وتكسب له الحسنات، وأين هذه الصفة ? وأما الغاش لرعيته والمداهن في الحق، فهو ضد ما ذكرنا، ويؤيد هذا قوله عليه السلام: " إن المقسطين فيما ولوا على منابر من نور على يمين الرحمن "، أو كلاماً هذا معناه؛ فهذه ثانية.

وأما الثالثة: مجاهد في سبيل الله عز وجل، فإنه شريك لكل من يحميه بسيفه في كل عمل خير يعمله، وإن بعدت داره في أقطار البلاد، وله مثل أجر من عمل شيئاً من الخير في كل بلد أعان على فتحه بقتال أو حصر، وله مثل أجر كل من دخل في الإسلام بسببه أو بوجه له فيه أثر إلى يوم القيامة. فيا لها حظوة ما أجلها أن يكون لعله في بعض غفلاته ونحن نصوم له ونصلي.

واعلموا أيها الإخوة الأصفياء أن هذه الثلاث سبق إليها الصحابة رضي الله عنهم، لأنهم كانوا السبب في بلوغ الإسلام إلينا وفي تعلمنا العلم، وفي الحكم بالعدل فيما ولوا، وفي فتوح البلاد شرقاً وغرباً، فهم شركاؤنا وشركاء من يأتي بعدنا إلى يوم القيامة، وفي كل خير يعمل به مما كانوا السبب في تعليمه أو بسطه أو فتحه من الأرض.

واعلموا أن لولا المجاهدون لهلك الدين ولكنا ذمة لأهل الكفر، فتدبروا هذا فإنه أمر عظيم، وإنما هذا كله إذا صفت النيات وكانت لله، فقد سئل النبي عن عمل المجاهد وما يدانيه، فأخبر عليه السلام انه لا يعدله إلا أمر لا يستطاع، فسألوه عنه فقال كلاماً معناه: أيقدر أحدكم أن يدخل مصلاه إذا خرج المجاهد فلا يفتر من صلاة وصيام فقالوا: يا رسول الله، لا نطيق ذلك. فاخبرهم أن هذا مثل المجاهد. وأخبرهم أيضاً عليه السلام: أن روث وبولها ومشيها وشربها الماء، وإن لم يرد سقيها، كل ذلك له حسنات. وسئل عن أفضل الأعمال، فأخبر بالصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد. وسئل عليه السلام عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل ليرى مكانه فقال: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد " أو كما قال؛ وأخبر عليه السلام: أن الأعمال بالنيات.

فهذه الثلاث المراتب هي مراتب السبق التي من أمكنه شيء منها فليجهد نفسه،

وما توفيقي إلا بالله عز وجل. ومن احب قوماً فهو معهم، فقد قال رجل: يا رسول الله متى الساعة فقال له عليه السلام: ماذا أعددت لها فاستكان الرجل وقال: يا رسول الله، ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله. فقال له: أنت مع من أحببت؛ أو كما قال عليه السلام."

رسائل بن حزم: 3/ 152

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير