[كن كيسا فطنا ولا تكن كيس قطن]
ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[26 Aug 2010, 01:03 ص]ـ
[كن كيسا فطنا ولا تكن كيس قطن]
نتحدث اليوم عني وعنك أخي القارئ، أختي القارئة، عن صفة وردت في أثر جميل غابت عنا، أو غيبناها وهي:" المؤمن كيس فطن". [1] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1)
فماذا نعني بالكيس، وماذا نعني بالفطن؟.
يقول النبي صل1:" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ". [2] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn2) والفطن، من الفطانة، وهي الذكاء والنباهة، وهي من صفات الأنبياء والمرسلين، ولم يبعث نبي إلا وكان على جانب عظيم من الذكاء والنباهة وكمال العقل والرشد.
فبالفطانة يستطيع النبي أو الرسول أن يعرف ما يُلقى إليه من وحي، وبها يستطيع أن يحفظه ولا ينساه، وبها يستطيع أن يبلغه كما أوحي به إليه، وبها يستطيع بعد ذلك أن يعالج أمته بالتربية الحكيمة، والقيادة السليمة، وفق طبائعهم وأخلاقهم، وبها يستطيع أن يحاجج ويجادل الخصوم ..
ومن الأدلة التي تشهد لفطانة الرسل عليهم الصلاة والسلام قوله تعالى في إبراهيم:" ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت، قال: أنا أُحي وأميت، قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين". البقرة/ 258.
وهكذا يجب أن يكون منطق أهل الايمان، وهكذا يجب أن يكون المؤمن كيسا فطنا.
فالكيس الفطن هو الذي يقيس الامور بالمقياس الصحيح.
هو من يريد الآخرة مع الدنيا، هو الذي يفكر مع نفسه، يذاكرها، ويحاسبها.
هو الذى يدرك ما الذي قدمه لربه وزكى به عن نفسه وطهر به قلبه ..
هو الذي يختار مواطن الصلاح والثواب العظيم ليندمج فيها ويتفاعل معها.
هو الذي يجعل كل وقته وعمله وجهده وصحته وماله لله عز وجل لوجهه الكريم فقط، لا شهرة ولا سمعة ولا رياء.
سئل أبو حازم عن أكيس الناس فقال:" من عمل بطاعة الله ودل الناس عليها" [3] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn3).
ووصى لقمان الحكيم ابنه فقال:" يا بني لا يكن الديك أكيس منك، ينادي بالاسحار وأنت نائم". [4] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn4)
فأين نحن من كل هذا؟.
أين أنحن من محاسبة النفس؟.
وأين نحن من العمل المطلوب منا؟.
ألم نسمع قول الله تعالى:" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون". وقوله سبحانه:" من يعمل سوءا يجز به ".
إن محاسبة النفس عن عملها وعن إهمالها، هو بداية البناء، فالنفس بطبيعتها تميل إلى الشهوات واللذات والهوى؛ ولابد لها من محاسبة، والكل لا يشك أننا إلى الله راجعون، محاسبون على الشيء الصغير والكبير والنقير والقطمير. سجلات محكمة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، كما قال تعالى:" يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ"".
وما دمنا نعلم ذلك، فمن التعقل أن نحاسب أنفسنا في الرخاء قبل الشدة؛ ليعود أمرنا إلى الرضا والغبطة؛ لأن من حاسب نفسه علم عيوبها وزلاَّتها ومواطن الضعف فيها، فبدأ بعلاجها ووصف الدواء لها، فينمي ذلك في النفس الشعور بالمسئولية ووزن الأعمال والتصرفات بميزان الشرع الدقيق. وهو ميزان الشرع.
لقد عرف السلف الصالح أهمية ذلك، فحققوها في أنفسهم، ها هو أحدهم يجلس مع نفسه ذات يوم محاسبًا في آخر عمره، نظر وقلَّب وفكر وقدر؛ فإذا عمره ستون عامًا، حسب أيامها فإذا هي تربو على واحد وعشرين ألف يوم وخمسمائة، فصرخ وقال: يا ويلتاه، أألقى الله بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة، هذا إن كان ذنب واحد؛ فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟ ثم خرَّ مغشيًا عليه " .. [5] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn5)
فلنحاسب أنفسنا قبل أن تُحاسَب، فإنه أهون في الحساب غداً أن نحاسب أنفسنا اليوم ونتَزَيَّن للعرض الأكبر، كما قال سبحانه:" يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ".
¥