تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا تحقرنّ من المعروف شيئاً للدكتور صالح بن فريح البهلال

ـ[حارث ماهر ياسين]ــــــــ[18 Sep 2010, 11:50 ص]ـ

لا تحقرنّ من المعروف شيئاً

د. صالح بن فريح البهلال

كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةٌ سوداء لا يؤبه لها، خرقاء لا تحسن عملاً، تكنى بأُمِّ محجن، ليس لها عملٌ سوى التقاط الخِرق والقذى والعيدان من المسجد، وفي إحدى الليالي فاضت نفسها ـ رضي الله عنهاـ، وفارقت الحياة، وودّعت الدنيا، فصلى عليها جمعٌ من الصحابة، ودفنوها، ولم يخبروا رسول -صلى الله عليه وسلم- بموتها، فافتقدها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فسأل عنها؛ اهتمامًا بها، وإكبارًا لشأنها، فأخبره الصحابة بما كان منهم تُجاهها، فقال صلى الله عليه وسلم: (دلّوني على قبرها) ثم أتى قبرها حتى وقف عليه، ثم صلى عليها.

سبحان الله! امرأة ضعيفة قليلة الشأن عند أهل ذاك الزمان، يسأل عنها أفضل الورى، وخير من وطئ الثرى، فلا يقنعُ حتى يقفَ على قبرها ويصليَ عليها، وهو الذي صلاته سكن، ورحمة، ونور، وضياء، فهنيئاً لها ذلك.

يا تُرى، ماذا فعلت هذه المرأة؟! وبأي شيء بلغت هذا المنزل عند نبيها؟!

لقد كانت تَقُمُّ المسجد، وتلتقط القذى والخرق والعيدان منه، نعم أيها الكرام، كانت تَقُمّ المسجد وتنظّفه، فكان ما كان من سؤال نبيها صلى الله عليه وسلم عنها، ثم صلاته صلى الله عليه وسلم عليها.

إذن فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً، حتى القذاةَ تخرجها من المسجد، فربما رحمك الله بذلك.

ورجل ممن كان قبلنا حدّث عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه حوسب فلم يوجد له من الخير إلاّ عمل واحد استوجب به شكر الله له، ثم مغفرتَه لذنوبه، فما هذا العمل العظيم الذي عمله هذا الرجل؟ فاستحق شكر الله ـ سبحانه ـ وغفرانه لذنوبه؟

لقد بيّن رسولنا صلى الله عليه وسلم عمله، فقال كما في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخّره فشكر الله له فغفر له).

وجاء في رواية عند ابن حبان: (حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير إلاّ غصن شوك كان على الطريق كان يؤذي الناس فعزله فغفر له).

لقد أدرك هذا الرجل رحمة الله بسبب غصن شوك أزاله من طريق الناس، فشكر الله له، فغفر له، فلا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تزيل حجراً، أو أذى من طريق الناس، فربما غُفر ذنبُك بذلك.

لقد دخلت الجنةَ امرأةٌ بسبب تمرة، وهذه قصتها في صحيح مسلم؛ تحكيها عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمَرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة؛ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أوأعتقها بها من النار).

لقد أوجبت هذه المرأة بسبب تمرة جنةً عرضها السماوات والأرض، مما نستفيد منه درساً ألاّ نحتقر أمر الصدقة، ولو بقليل من المال، وقد قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل). أخرجه البخاري ومسلم.

ألا وإن من الأفعال التي يغفَل عن احتسابها بعض الناس النفقةَ على الأهل؛ فإنها مع وجوبها، فيها أجر عظيم، فقد أخرج مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته فى سبيل الله، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك».

فليحتسب كلٌ منا الطعام الذي يأتي به لأهله، و اللباس الذي يواريهم به، بل ليحتسب النقود التي يعطيها ولده حين يذهب إلى المدرسة، والحقيبة التي يشتريها له؛ فإن ذلك كله من أعظم النفقات عند الله، فلا يحتقر منه شيئاً، ولا يتضجر، فيفوته الأجر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير