تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بين العزيمة والهزيمة]

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[23 Sep 2010, 02:20 م]ـ

[بين العزيمة والهزيمة]

أ. د. صلاح الدين سلطان

المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مملكة البحرين

عضو المجالس الفقهية فى أوربا وأمريكا والهند

العزيمة تدفع صاحبها من القاع إلى القمة، والهزيمة تهوي بصاحبها من القمة إلى واد سحيق، العزيمة لا يعرف صاحبها شيئا من المستحيلات سوى المحرمات، والهزيمة يبادر صاحبها إلى تقديم كل التنازلات، بل أكثر مما يُطلب أو يُتوقع منه بمسافات، العزيمة قوة إرادة تتحدى كل العقبات، وتبتسم للمُلِمات، وتتجاوز الأزمات بعزم وثبات، والهزيمة ضعف يجتاح النفس فيطمسها إلى أسوأ الدركات، العزيمة جعلت سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم يتحدى صناديد قريش بقوله: "والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى أهلك دونه أو ينصره الله عز وجل"، فنصره الله ودخل مكة فاتحًا بجيش فيه عشرة آلاف مقاتل، والهزيمة جعلت جحافل المنافقين يتطوعون ويتوسلون إلى اليهود: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الحشر:11)، العزيمة جعلت سيدنا موسى عليه السلام يصمم على الوصول لهدفه ولو مشى مئات السنين على قدمه، كما قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى? لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى? أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) (الكهف:60)، وصابر حتى وصل للخِضر رغم العناء، كما قال تعالى: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَ?ذَا نَصَبًا) (الكهف:62)، والهزيمة جعلت من ضعاف النفوس من بني إسرائل يرتدُّون على أعقابهم ويقولون: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) (البقرة:249)، العزيمة جعلت المحاربين في جيش طالوت وهم قلة يحتملون العطش ولا يشربون إلا غَرفة يد واحدة، بينما انهارـ أمام شهوات النفس ــ معظم الجيش وخالف أوامر القائد: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) (البقرة:249)، الهزيمة جعلت قائدا عربيا يقدم نعلين فاخرين للغازي المحتل هولاكو مرسوما عليهما وجه الزعيم العربي كي يشرفه هولاكو بأن يطأ بقدميه وجهه في الغدو والرواح، ويتركه يرتع في سلطانه، لكنه استكبر أن يشرفه بلبس الحذاء وأن يطأ بقدميه وجهه ثم قتله واحتل أرضه، أما العزيمة فقد جعلت العز بن عبد السلام يستحث القائد الصغير الشجاع سيف الدين قطز بقوله: "اخرج لملاقاة المغول بقيادة هولاكو وأنا أضمن لك على الله النصر"، فهزموهم بإذن الله وقُتل هولاكو سنة 658هـ بعد عامين من احتلال العراق والشام وانتهى الغزو المغولي على يد هذه العزائم الفتية القوية، الهزيمة تبدأ من النفس وتتسرب إلى الميدان كما قال مالك بن نبي - رحمه الله-: "إن الشعوب لا تستعبد إلا بعد أن تكون عندها قابلية الاستعباد"، والعزيمة تحرك في النفس كل كوامن العزة والقوة والصمود والتحدي حتى تحقيق النصر.

لازلت فخورا بكل رجال المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير أصحاب العزيمة الصلبة الذين يُحيِّرون البغاة المحتلين، ويقضون مضاجعهم، بينما يذهب أصحاب الهزيمة يعتكفون في العشر الأواخر من رمضان في البيت الأبيض لتقديم تنازلات رخيصة لقوم لم يعرفوا في التاريخ والواقع إلا أنهم أوغاد الأرض ينقضون عهدهم في كل مرة، لكن أصحاب الهزيمة يفتنون في عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون!!.

ـ[أبو المهند]ــــــــ[23 Sep 2010, 08:45 م]ـ

أحييك أخي الأستاذ تيسير على هذا النقل الثري العميق الذي يحكي ثقافة عريضة للكاتب الذي استبطن التاريخ والعلم فأتى بدرر هن العقد الفريد ومبتغي كل شريف صنديد.

تحية لك مرة ثانية على هذه الإفادة.

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[25 Sep 2010, 03:54 م]ـ

بارك الله بك أختي الفاضلة على تلك الإضافة. وكيف لنا أن ننسى الجزائر وما سطرته. بل إن كل الدول العربية انطلقت في استقلالها من خلال أهل القرآن وأهل الإيمان. وقد كانت صبغة المعركة دوماً اسلامية. ولكن للأسف حينما حصل الاستقلال استحوذ على الحكم رويبضة الناس في معظم البلاد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير