فهل في الدّنيا عاقل يعامل بنك المخلوق الّذي يعطي 5%ربحاً حراماً وربما أفلس أو احترق ويترك بنك الخالق الّذي يعطي في كلّ مئة ربح قدره سبعون ألفاً؟
وهو مؤمّن عليه عند ربّ العالمين فلا يفلس ولا يحترق ولا يأكل أموال النّاس.
فلا تحسبوا أنّ الّذي تعطونه يذهب هدراً، إنّ الله يخلفه في الدّنيا قبل الآخرة، وأسوق لكم مثلاً واحداً:
قصّة المرأة الّتي كان ولدها مسافراً، وكانت قد قعدت يوماً تأكل وليس أمامها إلا لقمة إدام وقطعة خبز، فجاء سائل فمنعت عن فمها وأعطته وباتت جائعة.
فلمّا جاء الولد من سفره جعل يحدّثها بما رأى. قال: ومن أعجب ما مرّ بي أنّه لحقني أسد في الطّريق، وكنت وحدي فهربت منه، فوثب عليّ وما شعرت إلا وقد صرت في فمه، وإذا برجل عليه ثياب بيض يظهر أمامي فيخلّصني منه، ويقول: لقمة بلقمة، ولم أفهم مراده.
فسألته أمّه عن وقت هذا الحادث، وإذا هو في اليوم الّذي تصدّقت فيه على الفقير نزعت اللّقمة من فمها لتتصدّق بها فنزع الله ولدها من فم الأسد.
والصّدقة تدفع البلاء ويشفي الله بها المريض، ويمنع الله بها الأذى وهذه أشياء مجرّبة، وقد وردت فيها الآثار، والذي يؤمن بأنّ لهذا الكون إلهاً هو يتصرّف فيه وبيده العطاء والمنع وهو الّذي يشفي وهو يسلم، يعلم أنّ هذا صحيح، والنّساء أقرب إلى الإيمان وإلى العطف، وأنا أخاطب السّيّدات، وأقول لكلّ واحدة: ما الّذي تستطيع أن تستغني عنه من ثيابها القديمة أو ثياب أولادها، وممّا ترميه ولا تحتاج إليه من فرش بيتها، وممّا يفيض عنها من الطّعام والشّراب، فتفتّش عن أسرة فقيرة يكون هذا لها فرحة الشّهر.
ولا تعطي عطاء الكبر والتّرفّع، فإنّ الابتسامة في وجه الفقير (مع القرش تعطيه له) خير من جنيه تدفعه له وأنت شامخ الأنف متكبّر مترفّع.
ولقد رأيت ابنتي الصّغيرة بنان –من سنين– تحمل صحنين لتعطيهما الحارس في رمضان قلت: تعالي يا بنيّتي، هاتي صينيّة وملعقة وشوكة وكأس ماء نظيف وقدّميها إليه هكذا، إنّك لم تخسري شيئاً، الطّعام هو الطّعام، ولكن إذا قدمت له الصّحن والرّغيف كسرت نفسه وأشعرته أنّه كالسّائل (الشّحّاذ)، أمّا إذا قدّمته في الصّينيّة مع الكأس والملعقة والشّوكة والمملحة ينجبر خاطره ويحسّ كأنّه ضيف عزيز.)
انتهت مقالة الطّنطاويّ (هكذا حافّ بلا ألقاب)
الله! ما أجملها كلمات، وما أعذبها همسات؛ تخاطب القلب فتنعشه، وتلامس الرّوح فتذكيها.
وما أظنّ أخاً حبيباً في الله إلا وله مع الله يقينيّات ولا أقول تجارب حدثت له.
نفعنا الله تعالى بما نسمع، وبما نقول، وبما نكتب، وبما نفعل، وجعل ذلك كله خالصاً لوجهه سبحانه.
السّبت: 2/ شوّال / 1431هـ - الموافق: 11/ أيلول / 2010م
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[11 Sep 2010, 08:46 م]ـ
عذب الهمسات وجمال الكلمات يخرج دوماً من القلب الرقراق الشفاف الأبيض الناصع الذي لا نكتة سوداء بغيضة فيه ولا سوداء مبغضة تحوي جوفه. مواقف كثيرة تمر على صاحب القلب الغليظ فلا يشعر بلحظات تأملها ولايرى ما فيها من حس أو استدراك فتظل معتمة على قلبه مظلمة على صدره لا يستأنس بنورها ولا يتفيأ معانيها.
ماذا يفعل العبد إذا نزع الله من قلبه الرحمة وحرمه من مداد الاستشعار وحسن الفراسة الثاقبة؟.
كثير هم أولئك جُفل القلوب عُمي الدروب. وقليل من انار ألله تعالى قلبه بنور البصيرة وصواب الحكمة وحسن التصور والتبحر بما حوله وكأنه يقلب الكلمات ويسخرها لما يرى ويسمع ويحس فتجده يبدع الوصف ويدقق ويسترعي الإنتباه من حوله وكأنه أوتي الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.
رحم الله تعالى الطنطاوي صاحب البصيرة الثاقبة والنفس المتأملة التي تُذكّر بالإيمان وتنبه الى الإحسان وتدل المؤمن الى الجنان. وجزا الله تعالى خيراً الدكتور نعيمان الذي أتحفنا بعد طول غياب. فكم فرحنا بمشاركته وابتهجنا بعودته. فجزاه الله تعالى خير الجزاء وختم على قلبه بنور البصيرة وألحقنا وإيّاه بالصالحين. اللهم آمين آمين آمين
ـ[أبو المهند]ــــــــ[13 Sep 2010, 02:44 ص]ـ
[
QUOTE= نعيمان;118871] السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلّ عام والأحبّة جميعاً إلى الله أحبّ وأقرب.
¥