المخالفة بدون نقصٍ من المسنون.
و أما فساد الاعتبار، فإن النداء في قوله "الصلاة جامعة " إنما كان ليجمع الناس ويعلمهم بأنه قد عرض أمر الكسوف، فلا يلحق بهذا إذ لم يستعدوا للاجتماع له، فأما العيد فيوم معلوم مجتمع له، وكذلك الاستسقاء قد أعدوا له يوماً فأغنى اجتماعهم له عن النداء، ولم يبق للنداء فائدة إلا الإعلان بنفس الدخول في الصلاة، وهذا يحصل بالتكبير و المشاهدة، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث المنادي في الطرقات للكسوف " الصلاة جامعة "، وفي العيد و الاستسقاء لا يبعث منادياً ينادي في الطرقات وإنما ينادي عند اجتماعهم عند من يقول هي بمنزلة الإقامة للصلاة، وهذا لا أصل له يقاس عليه؛ لأن نداءه لصلاة الكسوف بمنزلة الأذان لا بمنزلة الإقامة، ولهذا لا يشرع النداء للجنازة لأن ذلك لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ولا أصحابه، إذ لو كان لنقل لكثرة وقوع الجنائز على عهده.
و كذلك أيضاً لا يشرع إن ينادي للتراويح بشيء في المنصوص عنه، وقيل له: الرجل يقول بين التراويح: الصلاة، قال: لا تقل الصلاة كرهه سعيد بن جبير، وأبو قلابة. وكذلك قال:كثير من أصحابنا.
و قال القاضي، والآمدي، وغيرهما: ينادى لها كذلك؛ لأنها عبادة محضة أو ذات ركوع وسجود تسن لها الجماعة فيسن لها النداء كالكسوف.
و الأول أصح، حيث لم ينقل ذلك عن السلف الصالح، ولا هو في معنى المنقول، لأن التراويح تفعل بعد العشاء تبعاً فيكفيها نداء العشاء
، فأما ما لا يشرع له الاجتماع، فلا يشرع فيه النداء بلا تردد» أهـ.
وقال ابن القيم في " زاد المعاد " (1/ 442):
«وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة: أنه لا يُفعل شيء من ذلك» أهـ.
قال الصنعاني في " سبل السلام " (1/ 123):
وأما القول بأنه يقال في العيد عوضا عن الأذان الصلاة جامعة فلم ترد به سنة في صلاة العيدين» ثم نقل كلام ابن القيم في الهدي، إلى أن قال: «وبه يعرف أن قوله في الشرح: ويستحب في الدعاء إلى الصلاة في العيدين، وغيرهما مما لا يشرع فيه أذان كالجنازة " الصلاة جامعة "، غير صحيح، إذ لا دليل على الاستحباب، ولو كان مستحباً لما تركه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدون من بعده. نعم، ثبت ذلك في صلاة الكسوف ولا يصح فيه القياس؛ لأن ما وجد سببه في عصره ولم يفعله فَفِعْلُه بعد عصره بدعة، فلا يصح إثباته بقياس ولا غيره» أهـ.
وسئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى -: في " مجموع الفتاوى " (16/ 137):
هل لصلاة العيد أذان وإقامة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة، كما ثبتت بذلك السنة، ولكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا: إنه ينادى لها «الصلاة جامعة»، لكنه قول لا دليل له، فهو ضعيف. ولا يصح قياسها على الكسوف، لأن الكسوف يأتي من غير أن يشعر الناس به، بخلاف العيد فالسنة أن لا يؤذن لها، ولا يقام لها، ولا ينادى لها، «الصلاة جامعة» وإنما يخرج الناس، فإذا حضر الإمام صلوا بلا أذان ولا إقامة، ثم من بعد ذلك الخطبة» أهـ.
هذا، والله تعالى أعلم