) اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم (0
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة، فقال:
زملوني زملوني، لقد خشيت على نفسي يا خديجة.
وتواجه خديجة العظيمة الموقف الكبير بمفردها، فلا تجزع ولا ترتبك ولا تتردد .. بل تخاطب الزوج الخائف وتقول:
كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
هل هناك شجاعة أعظم، أو حكمة أبلغ، أو موقف أكرم من فعل خديجة هذا وموقفها .. ؟
ولا تكتفي بذلك التطمين الأوليّ لتثبيت القلب الخائف .. فتأخذ بيده إلى ابن عمها ورقة بن نوفل .. وكان شيخا كبيرا تنصر في الجاهلية .. فتقول له:
يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة:
يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة:
(هذا هو الناموس الأكبر نزّله الله على موسى، ليتني فيها جَذَعَا أنصرك حين يخرجك قومك، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا) 0
ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم حجم المسؤولية التي ألقتها العناية الإلهية على كاهله .. وانه سيؤذى ويُخرج ويُقاتل .. وأدركت معه خديجة مقدار الواجب الكبير الذي تتحمله للوقوف إلى جانب الزوج النبي.
كانت معه بكل إحساسها ونبلها وحبها وعطفها. كانت حزينة معه يوم فتر الوحي .. وينشرح فؤادها وهي ترى زوجها مستبشرا بعودته.
علمها رسول الله كيف تتوضأ وتصلي .. ولقد شهدتهما أيام مكة ولياليها يصليان لله ويحمدانه ويشكرانه على ما أولاهما من نعم.
المجتمع المسلم الأول
كان بيت الرسول الذي يضم بالإضافة إلى زوجه خديجة بناتها وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هو المجتمع المسلم الأول الذي آمن بالدعوة الكريمة التي نزل بها الأمين جبريل، على قلب الأمين محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت خديجة في جاهليتها مشغولة في تجارتها وتنمية أموالها والمحافظة على مكانتها .. فهي اليوم مشغولة بالدعوة وكيف تكسب لها أنصارا .. مشغولة بالنبي وكيف تقف إلى جانبه تؤازره وتعاونه وتكلؤه.
عندما أسلم أبو بكر رضي الله عنه، وانضم إلى موكب المؤمنين، وسمعت مقالته وهو في بيتها يعلن تصديقه لمحمد صلى الله عليه وسلم دون توان أو تردد لم تملك نفسها إلا وهي تهتف بأبي بكر مهنئة له وتقول: الحمد لله الذي هداك يا ابن أبي قحافة. جميع المؤمنين أبناؤها وهي أم المؤمنين.
في طريق الدعوة
وتمر الدعوة بمراحلها الصعبة، ويقف أهل مكة موقف العداء الشديد من محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، نالوه بالإساءة ووالوه بالسخرية ورموه بكل ما يكره من بذيء القول وفاحش الكلام. نعتوه بالجنون والسفه، واتهموه بالكهانة والسحر. في كل يوم كانت عقول أهل مكة تتفتق عن مزيد من وسائل المكر والخبث والحرب ضد النبي وأصحابه.
وكان رسول صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة والنفر القليل من المؤمنين معه يقابلون كل ذلك بإيمان أرسخ من جبال مكة، وبعزيمة أثبت من الدنيا وما فيها .. يقابلون الفظاظة بالمرحمة .. والطيش بالحلم .. والإساءة بالإحسان ..
كم عانت السيدة خديجة من جوار أبي لهب الذي تزعّم هو وزوجه أم جميل نادي قريش في الإساءة إلى النبي .. فكانت تكتفي بإزالة ما كانت تلقيه أم جميل من أقذار وأشواك تضعها في طريق النبي وأمام داره ..
وسارت خديجة مع زوجها العظيم في طريق الدعوة .. والآلام .. صابرة محتسبة .. ردوا عليها بناتها رقية وأم كلثوم وكانتا عُقد عليهما لعتبة وعتيبة ابني أبي لهب ..
هاجرت ابنتها رقية مع زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه مع أوائل المهاجرين إلى أرض الحبشة.
كانت تحس بالألم يعتصر فؤادها، على غربة بناتها، وتشتت شمل أسرتها، ولكنها الصابرة المحتسبة .. وكيف يمكن أن تكون أما للمؤمنين ومثلا أعلى للمؤمنات .. إن لم تعط من نفسها القدوة والمثل في التضحية والفداء ... ؟
الحصار في شعب بني هاشم
¥