تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والسيوطي يقول إنه يحفظ أكثر من مئتي ألف حديث، كيف صار المحلي إمام من أئمة الشافعية؟ كيف صار؟ هناك طريقة لمن هذه صفته، إذا عجزت استعمل القلم، اكتب ما تريد حفظه، راجع عليه الشروح وعلق عليه، ومن كثرة المداولة يثبت في ذهنك، مقومات التحصيل الحفظ والفهم، قد يجتمعان في شخص، وقد يفقدان من شخص الكلية فيصير فدما، ما يفهم ولا يحفظ، هذا يسلك العلم يثبت له أجر السلوك والطريق، ويقرأ نظر ويردد القرآن ويذكر الله -جل وعلا- ولا يحرم من الأجر.

فبعض الناس عنده حافظة قوية، وبعضهم ضعيفة؛ لكن الفهم عنده قوي، نقول لمثل هذا: أمسك القلم، وكثر الأوراق اقرأ الفاتحة واكتب الفاتحة، وراجع عليها التفاسير، وانتق من تفسير ابن كثير على الفاتحة، ومن تفسير الشيخ ابن سعدي، ومن فلان ومن فلان تجتمع عندك تصور للتفسير إجمالي، ولو لم يكن من كثرة هذه المعاناة إلا ما رسخ في ذهنك مما كتبت ومما قرأت فيكفي؛ لأن العلم متين يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى حفر في القلوب.

أقول؛ مثل هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ يعمد إلى كتاب صعب، لا يذهب إلى منار السبيل أو منهج السالكين، - لا – نقول: اذهب إلى أصعب الكتب من المتون الفقهية، خذ زاد المستقنع –مثلا - أو مختصر خليل - إن كنت مالكي -، الذي كلامه أشبه ما يكون بالألغاز، وانظر ما قال الشراح حول هذا الكلام، وتصور الكلام واكتب ما تصورت، واكتب ما راجعت، وراجع عليه كتب اللغة إن عجزت عن معنى كلمة، راجع عليه كتب لغة الفقهاء؛ لأن الفقهاء لهم لغة صنفت فيها الكتب، راجع عليه الكتب التي هي أسهل منه، بحيث إذا فهمت هذا الكلام الصعب انتقش في قلبك، والذي لا يثبت في القلب إلا بصعوبة فإنه حينئذ لا يخرج منه إلا بصعوبة.

فأنت إذا عانيت هذا الكتاب الصعب، وأتقنته وفهمته من خلال مراجعاتك عليه الكثيرة الشديدة، وحاولت جاهدا أن تفهم هذا الكتاب، أنت في النهاية استقر في ذهنك شيء قدر كبير من هذا الكتاب، فالذي حافظته ضعيفة لا يذهب إلى الكتب السهلة، التي تعينه على الغفلة، لا، يذهب إلى الكتب الصعبة، التي لا تعينه على الغفلة، كل كلمة تحتاج إلى نظرات ليس بنظر الواحد.

فأقول يذهب إلى أصعب الكتب، ويراجع عليها الشروح، ويسأل الشيوخ المختصين فيما يعجز عنه إذا انتهى يكون فهم ولا ما فهم؟ فهم، يكون قد ثبت في ذهنه شيء أو ما ثبت؟ يكون ثبت في ذهنه؛ لأن هذه المعاناة بهذه الطريقة لا بد أن يثبت الشيء في الذهن.

العلم لا يعدله شيء

يقول: أنا إنسان بدأت بطلب العلم؛ ولكن أحس كثيرا أني لم أستفد من هذا العلم؛ لأني أريد شيئا يوفر لي المأكل والمشرب، وهذا العلم لم يوفر لي هذا الشيء؛ رغم أني أعلم فضيلة العلم؛ ولكني أفكر دائما كيف أوفر للأهل الأكل والشرب، فهذا الشيء يتردد في نفسي دائما، فأتثبت في طلب العلم ... وضح لنا حلا في هذه المشكلة؟!

لا شك أن الظروف التي نعيشها فيها شيء من الصعوبة، يعني الذي يكفي الناس في الزمن السابق، قد لا يكفي في هذا الزمان عشرة أضعافه! واحد من الأساتذة الوافدين، أستاذ في فنه أستاذ في الحديث، استغنت عنه الجهة التي يعمل فيها، فقال لي: مثل هذا الكلام، أريد عمل فيه دخل لي ولأولادي، العمل استغنى عني، قلت: ما تقتدي بالأئمة الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني؟! هؤلاء حياتهم كلها للعلم، وما نسوا نصيبهم من الدنيا الشيء اليسير، قال: بس الإمام أحمد ويحيى بن معين ما عندهم فواتير تلفون! ولا فواتير كهرباء، ولا سيارات، ولا أولاد يدرسون بالأجرة، ما عندهم مثلنا، صحيح الظروف التي نعيشها فيها شيء من الصعوبة؛ لكن العلم لا يعدله شيء! وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأن طالب العلم يأخذ من الزكاة لشراء الكتب وما يعينه على التحصيل، وعلى كل حال إذا أمكن الجمع بين العلم ومصدر يغنيه عن تكفف الناس فهذا هو الأكمل والأفضل، إذا لم يتمكن فالعلم لا يعدله شيء، فلا يترك العلم من أجل الدنيا، ومع ذلك لا ينس نصيبه من الدنيا؛ فعليه أن يسدد ويقارب، لا يمنع طالب علم أن يشتغل في مكتبة، في مطبعة، في أي عمل يناسب عمل علمي بأجرة، نصف الوقت، والنصف الثاني يتفرغ فيه للطلب.

بركة القرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير