الذين أمنوا بالقدر هم (الذين قال لهم الناسُ إنّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. إنما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)
وعقيدة الإيمان بالقدر يظهر أثرها سريعا على المجتمع لأنها ركن ركين من أركان الإسلام (الإيمان) بل إن أهم ما ماز الإسلام كما عاشه الصحابة رضوان الله عليهم عن غيرهم من أتباع الأنبياء هو امتيازهم بالإيمان بالقدر على نحو جماعي إلى حد ما زال يبهر المؤرخين
فالإيمان بالقدر وفقا للقرآن الكريم وسيرة النبي وأصحابه لا علاقة له بما دبّ إلى الثقافة الإسلامية في عصر المذاهب واقتياد فكر الإنسان إلى مصطلحات مسير ومخير وحرية الإرادة التي نشأت في الفكر الإغريقي
بربك أيها الفلك المدار أقصد ذا المسير أم اضطرار ..
ولا حتى بمصطلحات الإراة والمشيئة ومحاولات علماء الكلام من أهل السنة وغيرهم أن يصوغوها ويتفكروا في تحليلها وتأطيرها.
كل المصطلحات لا تشرح عقيدة الإيمان بالقدر كما يفعل حديث ابن عباس احفظ الله يحفظك .. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وقد انزلق بعض المتكلمين مع الأسف إلى أن مزجوا بين علم الله تعالى وبين اختيار العبد فلم يُحسنوا التوفيق بينهما وذلك (أن لا نسبة بين مطلق ونسبي) وهذا ما حدا بالإمام الشافعي أن يقول (إذا سلَّم القدري العلم خصم) وفسرها ابن حجر بقوله (يعني أنه وافق مذهب أهل السنة).
فأهل السنة محقون في نكيرهم على منكر شمولية العلم ومنكر أن الله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها وأن كل شيء عنده في كتاب مبين.
فقد حمل بعضَ المسلمين من أهل العدل إرادةُ تنزيه الله تعالى عن الظلم أن خاضوا في صفة علمه وحاولوا تحديده وهذا منهم قصور عقلي ولا ريب لأن صفات الله تعالى ومنها علمه الشامل لا يقاس بواقع بشري ولا يحدُّه تصوُّر.
ويحسُن أن تُتخذ كلمة الإمام الشافعي السالفة معيارًا في الحكم على الأشخاص فالزمخشري مثلا يقرُّ بالعلم ويسلِّم به فليس من الإنصاف أن يعد قدريا وإن كان معتزليا وكذلك سائر من أقر بالعلم وشموله من المتكلمين تحت أي مسمى انضووا.
وبالجملة فليست هذه الأمور من عقيدة الإسلام في القدر في شيء
عقيدة الإسلام في القدر تُفهم وتدرك بلا فلسفة وبلا مصطلحات وبلا "علماء" لأنها قضية إيمان لا قضية علم وكلام.
إنها فقط أن تؤمن أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وقد فصلتها سورة آل عمران.
وظهر أثرها في حياة السلف الحق وهم صحابة محمدصل1 رض3
والله أعلم