وهنا نكون قد اقتربنا كثيرا من التعريف الدقيق لمصطلح الأدب الإسلامي أو الفن الإسلامي إذ هو التعبير الجميل المؤثر عن تجربة شعورية من زاوية الرصد الإسلامية ..
إذن الأدب الإسلامي ليس يشترط الشعور وكفى , بل شرطه أسلمة الشعور , وهذه تأت من أسلمة الفكرة في الحياة , ومرد هذه الأخيرة لأسلمة العقيدة والإيمان بعضٌ آخذٌ بعناق بعض ومرتبط به ..
وعليه فليس الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يتكلم عن المواعظ والأخلاق وحسب , ليس الأدب الذي يتناول المشاكل الاجتماعية , وليس هو الأدب الذي يمتدح الرسول والصحابة والتابعين , ليس هو الأدب الذي يمجد الفتوحات الإسلامية وانتصارات المسلمين, ليس ذلك أدبا إسلاميا حتى تعدّل زاوية الرصد فيه وتتجه بوصلة الشعور اتجاهها الإسلامي الصحيح , حينئذ ينصبغ العمل صبغته الإسلامية فيسمى عندها أدبا إسلاميا ..
وعليه فليس الأدب الإسلامي بمعناه الدقيق هو كل ما كتب من اشعار فترة الحكم الإسلامي أو إبان الخلافة الإسلامية , إن كثيرا من هذا الأدب حين تزنه بميزان الأدب الإسلامي تجده بعيدا عنه أو لعلك تجده مناقضا له مصطدما معه ..
الأدب الإسلامي كل عمل أدبي صدر عن شعور إسلامي نقي , كل عمل فني جاء ترجمة لعاطفة إسلامية صريحة لا شية فيها , وليكن بعد ذلك موضوعه ما يكن , ليكن عرضا لقيم الإيمان أو ليكن رحلة في ملكوت السماء والأرض , ليكن وصفا تخييليا لملك كريم أو لشيطان رجيم , ليكن عملا فنيا يتناول الكون جملة أو عملا يتكلم عن نملة ساربة تحت صخور الجبال ما دمنا ننظر لهذه أو تلك نظرة إسلامية ونشعر بهما على السواء شعورا إسلاميا ..
ومن ذلك قد يكتب شاعر مائة بيت في محمد صلى الله عليه وسلم , ويكتب آخر بيتين في هتلر مثلا مثلا!! ثم لا تكون المائة بيت في رسول الله شعرا إسلاميا ويكون البيتين في هذا الطاغية شعرا إسلاميا .. كيف ذلك؟؟!
إنها الزاوية التي نظر بها الشاعر للنبي عليه الصلاة والسلام , والزاوية التي نظر بها لهتلر , نظر للنبي على أنه مصلح اجتماعي لا أكثر , مصلح له حظ من الفطنة والذكاء , وله حس قيادي , وافقته ظروف معينة فاستطاع بذلك أن يحدث في العالم هذه الثورة الأخلاقية , وليست هذه هي النظرة الإسلامية للنبي صلى الله عليه وسلم المبعوث من لدن عزيز حكيم برسالة جاءت بزمنها المحدد بمكانها المحدد تؤدي دورها الكوني كأنها سنة ثابتة من سنن هذا الكون ..
ونظر لهتلر نظرته لفرعون الذي شوه وجه الإنسانية الجميل إذ استباح دماء الأبرياء وأزهق الأرواح ودمر كل شيء وذلك حين استبد به طغيان الأنانية وتأله في الأرض فخرج عن طريق الإنسان الكريم الذي رفعه الله بالخلافة في الأرض لإصلاحها إلى الإنسان الرجيم الذي يعيث الفساد في الأرض وينشر فيها الرعب وتستغيث من شره حتى شياطين الجنّ ..
هذا .. وللحديث بقية في الفصل الثاني من هذا الموضوع ..