تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول الحق تبارك وتعالى (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:151 - 152). ويقول (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164). ويقول (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).

لا شك إن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة العظيمة لشرف عظيم، ولكنه في نفس الوقت حمل تنوء بثقله الجبال الرواسي، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها بقوة، وحملها بصدق، وسار بها بعزيمة لانت لها الجبال، وذلت أمامها الصعاب، ولم تكن طريقه مفروشة بالورود والرياحين، بل كانت مليئة بالشوك والألم، والحزن والجراح، تنكر له فيها القريب، وتجهم في وجهه البعيد، وقل الناصر والمعين، ولكنه واصل المسير بعزيمة لا تلين، وبثقة في وعد الله بالنصر المبين، يحدوه قول من أرسله: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) وقوله (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) (الحجر:94 - 95).

قام سيد ولد آدم في قومه في مكة وقد عرف بينهم بالصادق الأمين، فنادى قولوا " لا إله إلا الله تفلحوا، أنقذوا أنفسكم من النار "، فما كان منهم إلا أن سبوه وشتموه، قالوا كذاب، وقالوا ساحر، وقالوا ومجنون، همزوه ولمزوه وسخروا منه، وضعوا الشوك في طريقه، وألقوا سلا الجزور حال سجوده بين كتفيه، اضطهدوه وحاصروه، فلما يئسوا منه ساوموه وأغروه وقالوا: إن كنت تريد الملك ملكناك علينا، وإن كنت تريد المال جمعنا لك منه ما تحب، وإن كنت تريد النساء زوجناك أجمل النساء، على أن يترك ما كان يدعوهم إليه، فجاء جوابه صلى الله عليه وسلم " والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري لأترك هذا الأمر ما تركته "

خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف لعله يجد فيه ناصراً ومعيناً , لعله يجد قلوباً حيةً وأذاناً واعية تسمع الحق وتستجيب له، فما كان منهم إلا أن سخروا منه، وما أشد السخرية على الحر الكريم! قال أحدهم: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك ... وقال آخر: أنا أُمرِطُ ثياب الكعبة إن كان أرسلك ..... وقال ثالث: أنا لا أكلمك أبداً، لئن كنت رسولاُ من الله كما تقول، لأنت أعظم من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك! ولم يكتفوا بهذا، بل أغروا به السفهاء والعبيد، يسبونه ويدفعونه، ويقذفونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، حتى أخرجوه من الطائف، الله أكبر أهكذا يفعل بسيد ولد آدم! أهكذا يفعل به وقد جاءهم ليستنقذهم من النار! إنه الابتلاء.

خرج يهيم على وجهه لا يدري أين يتجه صلى الله عليه وسلم من هول ما لقي من الأذى، فلم يستفق إلا وهو بقرن المنازل قرية تبعد أميالاً من الطائف، وهنا توجه إلى سيده وخالقه، ومولاه ونصيره " ونعم المولى ونعم النصير " رفع يديه الشريفتين إلى السماء بدعاء يقطر ألماً ويقطر أملاً ورجاء:" اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحلَّ عليَّ سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك "

وتعالوا نستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتذكر هذا الموقف العصيب وشدة ما لاقى فيه، روى البخاري ومسلم

من حديث عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ. ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا».

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير