ـ[حازم]ــــــــ[02 - 07 - 2004, 12:44 ص]ـ
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ && فلا تَقْنَعْ بِما دونَ النُّجُومِ
فَطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ && كَطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عظِيمِ
أخي الحبيب وأستاذي الكريم / أبا أيمن
ما زال إعجابي يزداد بكم، وبحرصكم على حبِّ اللغة العربية، وملاحظة دقائق الأمور، التي قد غفلتُ عنها وغفل عنها كثير من المبتدئين في طلب العلم، ويأبَى حِسُّك النحويُّ الرفيع إلاَّ أن يُلقي مَزيدًا من الضوء عليها، أسأل الله – جلَّ وعلا – أن ينفعني وينفع قارئي هذه المشاركة بكم، وأن يرفع درجاتكم في الدارين، ويلحقني بكم في الفردوس الأعلى، إنه سميع مجيب.
أستاذي الفاضل: أودُّ أن ألْتمسَ لديكم رجاءً أخويًّا، أن لا ترفعوا منزلتي البسيطة عن مكانها الطبيعيّ، فقد أثقلتُم كاهلي بما وصفتموني به، ولسُتُ – والله كذلك -، إلاَّ أنَّ كريم خُلُقكم يًرَى الحُسْنَ فيمن حوْلَه، لسْتُ إلاَّ مُبتدئًا في عِلم النحو، وإن كنتُ قد علمتُ شيئًا يسيرًا عن بعض المسائل الشائعة، فقد جهلت أبوابًا بأكملها ومسائل كثيرة، ولستُ أرقَى إلى درجة أساتذتي الكرام في هذا المنتدى المبارك، فهم – والله – أهل الفضل وأهل العلم الغزير، شملوني برعايتهم، وأحاطوني بكرم علمهم وسموّ أخلاقهم، فاستفدتُ منهم ومنكم فوائد عظيمة، هذا هو شأني.
أستاذي الكريم: بالنسبة للخبر في نحو (الحمدُ للهِ): اضطرب كلام علمائنا الأفذاذ – رحمهم الله تعالى – في تقدير هذا الخبر، وتقدير محذوف متعلَّق الجارّ والمجرور:
فها هو ابن هشامٍ – رحمه الله – يرى أنَّ الجارّ والمجرور متعلَّقهما الخبر المحذوف، وأنَّ تقديره: كائن أو مستقرّ، لا كان أو استقرّ. وأنَّ الخبر مثل الاسم المفرد.
ووافقه ابن جني في " اللمع " حيث ذكر أنَّ متعلّق حروف الجر المحذوف " كائن، وأنه وما أقيم مقامه جاريان مجرى الاسم المفرد.
فيما يرى ابن مالك – رحمه الله – أنَّ المحذوف اسمٌ أو فعل، نحو: كائن أو استقرّ، فإن قدَّرتَ " كائنًا " كان من قبيل الخبر المفرد، وإن قدَّرتَ " استقرّ " كان من قبيل الخبر الجملة.
وذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر المفرد، وأنَّ كلاًّ من الجارّ مع مجروره والظرف متعلِّقان بمحذوف، وذلك المحذوف اسم فاعل، التقدير: كائن أو مستقرّ.
وقيل إنهما من قبيل الجملة، وإن كلاًّ منهما متعلِّق بمحذوف هو فعل، والتقدير: استقرّ أو: يستقرّ، ونُسِب هذا إلى جمهور البصريين، وإلى سيبويه أيضًا.
وقال البركويُّ في " إظهار الأسرار " زيدٌ في الدار، أي: حصل.
ورجََّح الأنباري في " أسرار العربية " ما ذهب إليه سيبويه ومن معه في أن التقدير يجب أن يكون فعلاً " استقرّ " دون مستقرّ، لأن " استقرّ " يصلح أن يكون صلة لأنه جملة، " ومستقرّ " لا يصلح أن يكون صلة لأنه مفرد.
وظاهر كلام ابن مالك: أنَّ الأولَى أن يُقدَّر الخبر المحذوف اسمًا، حيث قال:
ناوينَ معنى كائنٍ أو استقرّ
فبدأ بالاسم قبل الفعل، والله أعلم.
وهل ينبني على هذا التقدير خلاف في تعيين نوع الجملة؟
لا – يا أستاذي الفاضل -، لا خلاف في ذلك.
فالعبرة بصدر الأصل: فالاسمية التي صدرها اسم " كزيد قائم "، " وهيهات العقيق ".
والفعلية التي صدرها فعل، " كقام زيد "، " وكان زيد قائمًا ".
ففي نحو: " في الدار رجلٌ " جملة اسمية، على اعتبار أنَّ " رجلٌ " مُخبَرٌ عنه بالاستقرار، أو بالفعل استقرّ، لكون المبتدأ له الصدارة، وتقدَّم عليه الخبر لأنه نكرة.
أرأيتَ – أستاذي الفاضل -، لو قلت: " أكلتُ التفاحةَ "، أليستِ الجملة فعلية؟
فكذلك لو قلت: " التفاحةَ أكلتُ "، جملة فعلية، لأنَّ المفعول به هو معمول الفعل الذي تأخَّر عنه.
قال تعالى: ((ففريقًا كذَّبتُمْ)) البقرة 87، وقوله تعالى: ((فأيَّ ءايتِ الله تُنكرون)) غافر 81،
ونحو: " كيف جاء زيد "، الجملة فعلية، لأن هذه الأسماء في رتبة التأخير.
هل نستطيع القول: إن الجملة الاسمية أو الفعلية قد يقعان موقع النكرة أو المعرفة إذا كان للجملة محل من الإعراب، حيث قال ابن مالك - رحمه الله تعالى-:
نكرةٌ قابل أل مُؤثِّرا & أو واقعٌ موقع ما قد ذُكِرا
نعم – أستاذي النجيب – وما المانع من ذلك؟!
أليست الجمل التي لها محلٌّ من الإعراب تقع موقع الاسم المفرد؟
والاسم المفرد يقبل " ألْ " إن كان نكرة، وكذلك ما وقع موقعه يأخذ نفس الحكم.
والجمل بنوعيها في حكم النكرات، ولذلك قالوا: إن الجمل – غالبًا – بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، والله تعالى أعلم.
ختامًا أرجو أن يكون في هذا شيءٌ من الإجابة على طرحكم الرائع، وعلى تنبيهاتكم الدقيقة المفيدة، سائلاً الله الكريم لكم مزيدًا من التوفيق والسداد
وللجميع خالص تحياتي وتقديري
حازم
¥