ـ[حازم]ــــــــ[04 - 08 - 2004, 11:50 ص]ـ
أساتذتي الأفاضل
قد أحسنتم جميعًا، وأجدتم، وقد – والله – سُررتُ جدًّا من روعة إعرابكم، لا تعليق عندي سوَى بيان أوجه الاختلاف.
أستاذي الألمعي أبا تمَّام
إعرابك رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنًى، ولا يحتاج إلى تقدير، وقد أعملتَ " مغبونٌ "، واستفدتَ من إعراب البدل، فأصبح الكلام مترابطًا في جملة واحدة، بارك اللهُ في علمك الراسخ وزادك من فضله.
وإن أذنتَ لي بتعليق يسير، فهناك نقطتان:
الأولى: قولك "، وجاز الابتداء بالنكرة لأنها مبهمة لغرض بلاغي أراده الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم “.
ألا ترَى أنَّ (الصحة والفراغ) قد أزالا الإبهام، لذلك أرَى – واللهُ أعلم – أنَّ ما ذهبَ إليه الأستاذ أبو أيمن أقربُ إلى الصواب، فكلمة " نعمتان " موصوفة بوصفٍ مُقدَّر، تنبيهًا على عِظمِ قدرهِما، ولذلك قال (مغبونٌ فيهما كثير من الناسِ)، ولا يُغبَنُ المرءُ إلاَّ إذا ضيَّع شيئًا ذا قدرٍ يَندَم عليه.
ويدلُّ على هذا المعنَى، ما جاء في شرح سُنن الترمذيِّ: أنَّ جملة " مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ " صفةٌ لـ (نعمتان)، ولذلك جاز الابتداءُ بها، والله أعلم.
وبقيَ النظر في قولك: " الصحة: بدل من نعمتان (بدل اشتمال) "
يقولون في هذا المثال ونحوه: إنَّ البدلَ بدلُ كلٍّ من كلٍّ، أو بدل مطابق، إذ أنَّ المقامَ مقامُ تفصيل وتوضيح للمُبدل منه، وليس المقصودُ ما يشتمل عليه المُبدل منه.
قال الله تعالى في سورة يوسف: ((ويُتِمُّ نِعمتَهُ عليكَ وعلَى ءَالِ يَعقُوبَ كما أتَمَّهَا علَى أبَوَيكَ مِن قبلُ إبراهيمَ وإسحَاقَ))
فكلمة "إبراهيمَ" بدل أو عطف بيان
ويتَّضح ذلك جليًّا في قوله تعالى في سورة إبراهيم ((صِراطِ العزيزِ الحَميدِ اللهِ))
فلفظ الجلالة "الله" على قراءةِ الجرِّ: بدل مطابق أو عطف بيان.
وعلى قراءة الرفع: خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو.
وقال الشاعر:
وقبلِي مات الخالدانِ كِلاهُما & عميدُ بَنى جَحْوَانَ وابنُ المُضَلَّلِ
عميدُ: مرفوع بأنه بدل الكلّ، أو عطف بيان.
ولماذا جعلوه بدلاً مطابقًا؟
الجواب: لأنَّ القول الثاني في الإعراب: عطف بيان، وعطف البيان يصحُّ أن يكون بدلاً، كما قال ابن مالك: " وصالحًا لبدليَّةٍ يُرَى " إلاَّ ما استُثنيَ من ذلك، وقيَّده الشُّرَّاحُ ببدل الكلِّ.
غيرَ أنِّي لا أميلُ لهذا الرأي، بل أميل إلى ما ذهبَ إليه ابنُ هشامٍ في " مغني اللبيب " حيث سمَّى هذا البدلَ: بدلَ التفصيل، وهو الصواب – واللهُ أعلم –، لأنَّ ذكرَ الأقسام للمُبدل منه هو تفصيل وتوضيح له، وقد ذكر هذا القول عند إعراب بيت كُثيِّر عزَّة:
وكنتُ كذي رِجْلين: رجلٍ صحيحةٍ & ورجلٍ رَمَى فيها الزمَانُ فَشُلَّتِ
نسألُ اللهَ العافية والسلامة.
أستاذي الحبيب المِقدام / أبا أيمن
كَمْ نَهضَةٍ لكَ بالمَعالي أطلعتْ & نورَ الرجاءِ علَى ظَلامِ اليَاسِ
وإشَارةٍ لكَ في المكارِمِ زاحَمَتْ & ضَيْقَ الهُمُومِ بِفُرْجَةِ الإينَاسِ
أعجبني جدًّا إعرابك المزدهر، مؤسَّسٌ على قواعدَ قويَّةٍ لا يشوبها أيُّ اعتراض، وصلبٌ لا يَخشَى من أيِّ انقضاض.
فقولك: " الصِّحَةُ: خبر لمبتدأ محذوف جوازا للعلم به، و تقديره "همَا" "
هذا صحيح، وهو أحد الأقوال في هذه المسألة، وله شواهد كثيرة، منها حديث (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ ... ) الحديث.
فقوله " شهادةِ ": مجرور لأنه بدل من قوله " خَمسٍ "، ويجوز رفعه على أن يكون خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هي شهادة أن لا إله إلا الله.
أمَّا قولك: (مَغْبُونٌ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة وجاز الابتداء بها لتعلق الجار و المجرور بها،
فيهما: جار و مجرور متعلق ب " مَغْبُون"
كثيرٌ: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة)
وَدِدتُ لو أنَّك عَكسْتَ الأمر وجعلتَ: " مغبونٌ " خبرًا مقدَّمًا، " كثيرٌ " مبتدأً مؤخَّرًا.
فإن قلتَ – يا أستاذي الفاضل -: ألم يقلِ ابن مالكٍ – رحمه الله -:
فامْنعهُما حينَ يَسْتَوي الجُزءانِ & عُرفًا ونُكرًا عَادِمَيْ بيانِ
¥