قلتُ بلَى، إذا لم يتبيَّن الأمرُ، ولكنَّ الأمرَ هنا معلوم بقرينة الحال، فنحنُ نعلمُ أنَّ المقصودَ الحكم بالغبن على كثير من الناسِ، والمبتدأ مَحكومٌ عليه، والخبر حكم، فلا ضيرَ إن قدَّمنا المبتدأ أو أخَّرناه.
ولذلك جاز تقديم الخبر في قولنا: " أبو يوسُفَ أبو حنيفةَ "، إذ المعلوم أنَّ المراد تشبيه أبي يوسفَ – وهو تلميذ أبي حنيفةَ – بأبي حنيفةَ، فيقال: " أبو حنيفةَ أبو يوسفَ "، ويظلُّ المعنى صحيحًا، لأنَّ المبتدأ هو المُشبَّه، والخبر المشبَّه به، فالمعنى تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، ألسْتَ تقول: " فلانٌ كالبدرِ "، وتقول: " كالبدرِ فلانٌ "، والله أعلم.
ومع ذلك إعرابك صحيح ولا غُبار عليه، أرأيت قولَه تعالى: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) البقرة 177
قُرئَ " البرّ " بالرفع والنصب، فتارة يكون اسم ليس، وتارة خبرها، وشواهد ذلك كثيرة، وبالله التوفيق.
أستاذي الْمُرتقي نحوَ العُلا / بدر التمام
سًعدتُ جدًّا بإعرابك الساطع، المزدان ببريقه اللامع، وأحسبك قد فاتك بيان مسوِّغ الابتداء بالنكرة.
وقولك: " كثير: فاعل لمغبون مرفوع "
أليست " مغبون " اسم مفعول؟ فعليه " كثيرٌ " نائب فاعل.
قال الله تعالى في سورة هود: ((ذَلكَ يًومٌ مَجمُوعٌ لهُ النَّاسُ))، فكلمة " الناسُ: نائب فاعل لاسم المفعول " مجموع "، نسأل اللهَ – بمنِّهِ وكرمهِ – أن يجعلنا فيه من الفائزين.
وقولك: (وأشكلت عليّ هذه لكن: لعله يقال والضمير " هما " ضمير منفصل، ولكن كيف ولم يستقل بنفسه هنا؟)
أقول: لا مجالَ لها أن تُشكلَ على مَن هو مثلك، فقد لمحتَ الفرق ببراعة فائقة، وهذا من فضل الله.
نعم، الضمير المنفصل لا يتَّصل بأيِّ كلمة، فإذا اتَّصل بكلمة فاعلم أنه متَّصل، حتَّى ولو أشبه تركيبه تركيب المنفصل، مثل عنهُما، والمنفصل " هُما "، ومعلوم أنَّ الضمائر الثلاثة (ياء المتكلِّم، كاف الخطاب، هاء الغائب) تتَّصل بالحروف والأسماء والأفعال، فلا تلفت إلى لواحق هذه الضمائر.
وينبغي أن يُعلَم أنَّ الضمَّ في الهاء هو الأصل مطلقًا، للمفرد والمثنَّى والمجموع، نحو: منهُ وعنهُ ومنهُما وعنهُما ومنهُم وعنهُم ومنهُنَّ وعنهُنَّ، وفُتِحَت في: منهَا وعنهَا لأجل الألف، وتُكْسرُ إذا وقع قبلها كسرٌ أو ياءٌ ساكنة، نحو: بهِم وفيهِم، وضمَّ حفص ((ومَن أوْفَى بِما عاهدَ عليهُ اللهَ)) في الفتح، ((وما أنسانِيهُ إلاَّ الشَّيطانُ)) في الكهف، وتوجيه ذلك أنه قرأ على الأصل، والله أعلم.
أخيرًا بقي النظر في ترجيح أحد القولين في مسألة سكون كلمة (المَخازي).
قد أحسنتما فيما ذهبتما إليه، فالياء ساكنة حال الوقف على الشطر الأول من البيت، وكذلك ساكنة لضرورة الشعر، ولا يلزم إشباع الفتحة، بل الوقف بالسكون، كما في: " رأيتُ القاضيَ في المسجدِ "، فإذا وقفت تقول: رأيتُ القاضِي، بإسكان الياء.
لكن إذا وصل قارئُ البيت الشطرين ببعضهما، قلنا له: لا بدَّ من إسكان الياء ضرورةً من أجل الوزن، فإن قيل: كيف جاز إسكان الياء؟
قلتُ: هو من الضرورات الشعرية، وقد أسكن الواوَ ذلكم العربيُّ الفصيحُ بحضرة رسول الهُدى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قائلاً:
أرجُو وآمُلُ أن تَدنُو مودَّتُها & وما إخَالُ لَدينا مِنكِ تَنويلُ
فأسكن الواو من " تدنو " مع أنها منصوبة بأن.
لذلك كان القول لمراعاة الوزن هو الأرجح لأنه لا يمكن أن نحرِّك الياء وصلاً، ووقفًا من بابِ أولَى، والله أعلم.
ملاحظة: سأتوقَّف عن طرح تمارين جديدة إلى أن يتمَّ الاتفاق على طريقة سير هذه الصفحة، وذلك وفق الاقتراح المشكور من مُعلِّمنا ومُوجِّهنا الأستاذ الفاضل / النحوي الكبير، حيث لَمستُ حِرصَه الشديد على حُسن التعلَّم والاستفادة للجميع، وأنا أميل إلى رأيه المُوفَّق – حفظه الله -، والرأي الأخير هو لكم، فأنتم أصحاب الفضل، ووالله لن أُخفيَ مَدى استفادتي من مشاركاتكم، وتعلُّمي مسائل كثيرة كنتُ جاهِلاً بها، واكتسابي فوائد عظيمة، تبيَّنتُ معها أني لا أزال في عِداد الجاهلين، وقد – والله – سَعدتُ بصحبتكم وتشرَّفتُ بكم، وأسأل الله لكم مزيدًا من العلم والتوفيق.
¥