الأول: النكتة البلاغية المتألقة في بيت مالك، والتي جعلت البيت وباقي القصيدة من روائع الشعر في الرثاء، بينما أجد هذا المثال عارٍ تمامًا عن هذا الضرب من البلاغة.
فإن قلتَ لي: وما هي النكتة البلاغية التي تتكلَّم عنها؟
قلتُ: لا زال الوقتُ مبكِّرًا للخوض فيها.
الثاني: قد أوردتَ هذا المثال، وأنت تريده أن يكون مطابقًا لقول المازنيَِّ من ناحية الاستغراب والتعجب الناشئين من الجملة الثالثة " كيف لا أتألم ".
وهذا المثال فيه نظر، فمثالك مُصدَّر باسم الاستفهام " كيف " الذي يعطي دلالةً واضحة للتعجب والاستغراب من فعل الضارب.
بينما قول شاعرنا: " وأين مكانُ البُعدِ إلاَّ مكانيا "، مبدوء بـ" أين "، استفهام غير حقيقي، إذ أنه ليس المقصود منه أن يستفهم عن المكان، بل هو استفهام بمعنى الخبر، ويمكن أن يكون تقديره: " وما مكانُ البعدِ إلاَّ مكانيا ".
أرأيت – يا صديقي – كيف أتيتَ بمثال يختلف تمامًا عن بيت مالكٍ، محاولةً منك للوصول إلى هدفك من أقصر الطرق، ولكن أنَّى لك هذا؟؟
لازلنا في أوَّل الطريق، ولا زال لديك متَّسعٌ من الوقت، لكي تؤسِّسَ البُنيان، وتُحكِمَ شَدَّ جَوانبِه، ولكن
متَى يَبلغُ البُنيانُ يومًا تَمامَهُ & إذا كنتَ تَبنِيهِ ومِثلِيَ يَهْدِمُ
والآن جاء دوري لإبداء ما لديَّ من نقاط:
أنتَ لا ترى أنَّ جملة " وهم يدفنونني " جملةٌ حالية، لكونك ترى تناقضًا بين قولهم " لا تبعدْ " وبين فعلهم، وهو القيام بدفنه، أليس كذلك؟
فلو فرضنا أنهم قالوا له: " لا تقنط من رحمة الله "، وهم يدفنونه.
أترى أنها حال؟
وماذا ترى في جملة " ولم تَكْثُرِ القَتلَى بها حينَ سُلَّتِ " في قول الشاعر:
بأيْدي رجالٍ لم يَشِيمُوا سُيوفَهُمْ & ولم تَكْثُرِ القَتلَى بها حينَ سُلَّتِ
وسؤالي الأخير: هل يمكن الاستغناء عن جملة " وهم يدفنونني "، أم لا؟
لأنَّ أقوالَك قد تضاربت، فذكرتَ في ردِّك السابق أثناء تعقيبك على كلام أستاذي الأمجد / بديع: (أما أن يكون الحال عمدة أو لا يكون في الجملة فهذه معلومة متفق عليها عن الحال وحالاته وليست إعرابا لـ (وهم يدفنونني)، وإذا كانت " وهم يدفنونني " حالا ضرورية وتفيد معنى أساسيا بحيث لا يمكن حذفها مثل الحال " لاعبين " في الآية الكريمة فكيف أمكن للجملة أن يتم معناها بدونها؟ في حين لا يتم معنى الآية الكريمة إلا بذكر " لاعبين ")
أخيرًا، أستاذي الفاضل النِّحْرير، قل لي: إلى أين المسير، في ظُلمة الدربِ العسير، طالت لَياليهِ بنا، والعُمْرُ – لو تَدري – قَصير، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله.
دمتَ سالمًا
مع أعذب وأرقِّ التحايا
ـ[ديك الجن]ــــــــ[03 - 09 - 2004, 12:53 ص]ـ
طاب ليلكم يا نداماي، أنتم القوم الذي ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب التمر.
نجوم الليل أنتم وهدى الساري.
للصب غد قبل يوم قيام الساعة يا حازم وإن طال ليله، وكيف يطول ليل صب أنتم معللوه ونداماه؟!
قلت ـ نفع الله بك ـ: " قولك: (وسؤالي للإخوان الذي يعربونها حالا، هل هي حال ضرورية وعمدة وأساسية، أم أنها حال غير ضرورية يمكن الاستغناء عنها، ويتم معنى الجملة الأساسية بدونها؟).أقول: ما الفائدة المرجوَّة من إجابة هذا السؤال، إذا كنتَ لا ترى أنها حال أصلاً.
وهل يُغني الفرعُ عن الأصل؟؟ "
هكذا قرطست لي سؤالي وأعدته لي كاملا دون نقصان، وكنت أنتظر منك الإجابة فلله أنت!
وأقول حامدا مصليا: إنما قلت ذلك مجاراة لكم ومضيا على طريقكم فقد رأيتكم تعربونها حالا، وتؤكدون على ضرورتها وبقائها في الجملة أسوة بالحال (لا عبين) في الآية الكريمة. إذ بجوابكم عن هذا السؤال سينفتح بابا للقول والرد، فإن قال من يعرب " وهم يدفنونني " حالا أنها ضرورية لبقاء المعنى الأساسي في البيت فقوله بضروريتها مردود بما رأينا من إمكان حذفها وبقاء المعنى كاملا (يقولون لا تبعد. وأين مكان البعد إلا مكانيا)،
وإن قال أنها حال ولكنها فضلة وغير ضرورية لكمال المعنى الأساسي فإن استشهاده بالحال " لاعبين " في الآية الكريمة استشهاد في غير محله.
وقولك: " أقول: كيف جاز لك أن تجمعَ بين الإنكار والتعجب في أسلوب واحد؟؟
¥