تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قلتُ: ووافقَه التبريزيُّ على مجيئها اسمًا، حكَى ذلك أبو حيَّان في " بَحره ".

وحكَى ابنُ هشامٍ – رحمه الله – رأيَ أبي عليٍّ في إعراب " حيثُ " مفعولاً به، وقد انتصر لهذا الرأي في " مُغنيه "، حيث قال:

[فإن المتبادر أنَّ " حيث " ظرف مكان؛ لأنه المعروف في استعمالها، ويرده أنَّ المراد: أنه تعالى يعلم المكان المستحق للرسالة، لا أنَّ علمه في المكان، فهو مفعول به، لا مفعول فيه، وحينئذ لا ينتصب بـ" أعلم " إلا على قول بعضهم بشرط تأويله بعالم، والصواب انتصابه بـ" يعلم " محذوفا دلَّ عليه " أعلم "] انتهى

وقد وردت أقوال ابن هشامٍ على أنَّ كلمة " حيثُ " مفعول به في كتابه " قطر الندى "، و" شذور الذهب "، و" أوضح المسالك " وفي " مغنيه "، وعلَّل في " أوضحه " أنها ليست على معنى " في "، فانتصابها على المفعول به، وناصبها " يعلم " محذوفا، لأنَّ اسم لتفضيل لا ينصب المفعول به إجماعًا.

وفي " شذور الذهب " علَّل ذلك بأنَّ مثل هذه الأنواع لا تسمَّى ظرفا في الاصطلاح، بل كل منها مفعول به وقع الفعل عليه لا فيه، يظهر ذلك بأدنى تأمل للمعنى.

القول الثاني:

ذهب القرطبيُّ – رحمه الله – في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن "، إلى أنَّ " حيث " اسم نُصب على الاتِّساع في المفعولية، وقال:

" حيثُ " ليس ظرفًا هنا، بل هو اسم نُصب نَصب المفعول به على الاتساع؛ أي: اللَّهُ أعلم أهلَ الرسالة، وكان الأصل الله أعلم بمواضع رسالته، ثم حذف الحرف، ولا يجوز أن يعمل " أعلم " في " حيث " ويكون ظرفًا، لأنَّ المعنى يكون على ذلك: الله أعلم في هذا الموضِع، وذلك لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى، وإنما موضعها نصب بفعل مضمر دلّ عليه " أعلم "، وهي اسم كما ذكرنا] انتهى

وقد وافقه بعض المفسِّرين، وكذا ابنُ آجروم في إعرابه.

القول الثالث:

ذهب أبو حيَّان إلى أنَّ كلمة " حيثُ " منصوبة على الظرفية المجازية، وقال في " البحر ":

[والذي يظهر لي يجعل رسالته إقرار " حَيثُ " على الظرفية المجازية، على أن تضمن " أَعلَمُ " معنى ما يتعدَّى إلى الظرف، فيكون التقدير: الله أنفذ علمًا {حَيثُ يَجْعَلُ} أي: هو نافذ العلم في الموضع الذي يجعل فيه رسالته، والظرفية هنا مجاز] انتهى.

وقد ردَّ أبو حيَّان – رحمه الله – الإعرابين الأولَّين، وقال:

[وما قيل من أنه مفعول به على السعة، أو مفعول به على غير السعة، تأباه قواعد النحو، لأن النحاة نصوا على أن " حَيْثُ " من الظروف التي لا تتصرف، وشذ إضافة لدى إليها وجرها بالياء، ونصوا على أنَّ الظرف الذي يُتوسَّع فيه لا يكون إلا متصرفًا، وإذا كان الأمر كذلك امتنع نصب " حَيْثُ " على المفعول به لا على السعة ولا على غيرها]

قلتُ: في قوله نظر – رحمه الله -، لأنَّ النحاة لم يُجمعوا على أنَّ " حيثُ " من الظروف التي لا تتصرَّف، بل ذهب ابنُ مالكٍ – رحمه الله في " تسهيله " إلى أنَّ " حيثُ " نادرة التصرَّف، وليست ممتنعة.

وذكر السيوطي – رحمه الله – في " الهمع "، أنها " لا تستعمل غالبا إلا ظرفا "، ولم يحكم بظرفيتها مطلقًا، واستدلَّ على ذلك بما ورد في كلام العرب بمجيئها في موضع الجر بحروف الجرِّ المختلفة، كقول زهير " من الطويل ":

فَشَدَّ ولم يَنظُرْ بًيوتًا كَثيرةً * إلى حَيْثُ أَلْقَتْ رحْلَها أُمُّ قَشْعَمِ

ويُروَى: لَدَى حيثُ

وقول الآخر:

فأَصْبحَ فِي حيْثُ الْتقَيْنا شَريدُهُم

وقال – رحمه الله -:

[ومن وقوعها مجردة عن الظرفية، قوله " من الخفيف ":

إنَّ حَيْثُ استقَلَّ مِنْ أَنْتَ رَاعِيـ * ـهِ حِمًى فيه عِزٌّة وأَمانُ

قال أبوعليٍّ:

فإنْ قال قائل: فإن كان اسمًا، فَلِمَ لا يُعربُ، لِزوالِه عن أن يكونَ ظرفًا؟

قيل: كونُه اسمًا لا يُوجِبُ خُروجَه عن البناء؛ ألا ترَى أنَّ " مُنذُ " حرفٌ، فإذا استُعملت اسمًا، في نحو " مُذ يَومانِ " لم تَخرج عن البناء، وكذلك " علَى " و" عنْ "، إذا قلتَ:

هَوجاء جاءتْ مِن جِبالِ يَأجوجْ * مِن عَن يَمينِ الخطِّ أوْ سَماهِيجْ

وكذلك قولُه:

غَدتْ مِن عَليهِ بَعدما تمَّ خمْسُها * تَصِلُّ وعَن قَيضٍ بِبيْداءَ مَجهلُ

والله أعلم.

وأخيرًا، فقد بدا الخلاف واضحًا في المسألة، غير أنني أرَى – والله أعلم - أنَّ ما ذهب إليه أبو عليٍّ، ووافقه أبو البقاء العكبريُّ وغيره، وأيَّده ابنُ هشامٍ، هو القول الراجح، لأنَّ تعليلاته ظاهرة، وشواهده حاضرة، والحمد لله أوَّلاً وآخرا.

وبالله التوفيق والسداد.

مع عاطر التحايا للجميع

ـ[مسك]ــــــــ[06 - 01 - 2005, 11:50 ص]ـ

أبو أيمن ..

سنكون بإنتظار عودتك بالجزء المفقود من الكتاب ..

ـ[أبوأيمن]ــــــــ[07 - 01 - 2005, 07:05 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد تم فحص الملف أستاذي الكريم مسك، و قد و جدته فارغا و هذه محاولة لإعادة تحميله

أرجو من أستاذي الحبيب حازم أن يضعه مكان الأول إن تمت التحميل على أحسن مايرام

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير