تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعد بيان مذهب أصحابنا في توجيه مجيء الفاعل، نعود إلى قوله تعالى: {وإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}

أين نائب الفاعل في الآية الكريمة؟

ظاهر الكلام أنها الجملة المصدرة بحرف النهي وهي: {لا تُفسِدوا في الأرضِ}، إلاَّ أنَّ ذلك لا يجوز إلا على مذهب من أجاز وقوع الفاعل جملة، وليس مذهب جمهور البصريين.

لأنَّ نائب الفاعل، حكمه حكم الفاعل، وتخريجه على مذهب جمهور البصريين أن نائب الفاعل مضمر تقديره هو، يفسِّره سياق الكلام والمعنى: " وإذا قيل لهم قول شديد "، فأضمر هذا القول الموصوف، وجاءت الجملة بعده مفسِّرة، فلا موضع لها من الإعراب لأنها مفسرة لذلك المضمر الذي هو القول الشديد.

وهو ما ذهب إليه أبو البقاء – رحمه الله -، وبعضهم انتَبَذَ من أصحابه مكانًا بعيدًا، هربًا من الجملة أن تقع فاعلاً، وقال: إن الجار والمجرور {لَهُمْ} في موضع رفع مفعول لم يُسَمَّ فاعله لـ {قيلَ}، ومنهم أبو محمَّد مكِّي القيسي – رحمه الله - في " مشكل إعراب القرآن "

وقد ردَّه العكبري – رحمه الله – بقوله: (وقيل: {لَهُم} هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لأن الكلام لا يتمُّ به، وما هو مما تفسِّره الجملة بعده) انتهى

قلتُ: وردَّه أبو حيَّان أيضًا – رحمه الله – قائلاً: (ولا جائز أن يكون {لَهُم} في موضع المفعول الذي لم يسمّ فاعله، لأنه لا ينتظم منه مع ما قبله كلام، لأنه يبقي {لا تُفسِدوا} لا ارتباط له، إذ لا يكون معمولاً للقول مفسِّرًا له) انتهى

وردَّه كذلك ابنُ هشامٍ – رحمه الله – في " مُغنيه "، وسيأتي بيانُهُ.

بقي النظر – أستاذي الكريم – في قولك: (أليس الأولى أن يكون " لا تُفسِدوا " هو نائب الفاعل والجملة " لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ " وإن تعددت كلماتها فهي لفظة محكية؟)

أقول: أحسنتَ وأجدتَ – أيُّها الهِزَبْرُ -، زادك الله توفيقًا وضياءً، هذا هو الأولَى والأظهر، والأرجح، قاله ابنُ هشامٍ – رحمه الله – في " مُغنيه ":

({وإذا قيل لهم لا تُفسِدوا في الأرضِ}، زعم ابنُ عصفور أنَّ البصريين يقدرون نائب الفاعل في " قيلَ " ضمير المصدر، وجملة النهي مفسرة لذلك الضمير.

وقيل الظرف نائب عن الفاعل، فالجملة في محل نصب، ويرد بأنه لا تتم الفائدة بالظرف وبعدمه في {وإذا قيلَ إنَّ وعد الله حق}.

والصواب أنَّ النائب الجملة، لأنها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة بالقول، فكيف انقلبت مفسرة والمفعول به متعين للنيابة.

وقولهم الجملة لا تكون فاعلا ولا نائبا عنه.

جوابه: أنَّ التي يُراد بها لفظُها يُحكم لها بحكم المفردات، ولهذا تقع مبتدأ، نحو: " لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنةِ "، وفي المثَل: " زعموا مطية الكذبِ ".

ومن هنا لم يحتج الخبر إلى ربط في نحو: " قولي لا إله إلا الله "، كما لا يحتاج إليه الخبر المفرد الجامد) انتهى

ولا شكَّ، أنَّ ما قاله – رحمه الله – هو الصواب، لأنَّ حجَّتَه قويَّة، وتعليله ظاهر، واستدلاله صحيح، بارك الله في علمه، ونفعنا به.

وبارك الله فيكم أيضًا – أستاذي الفاضل – على إتحافنا باللآلئ الحِسان، من ثنايا " التبيان ".

مع عاطر التحايا

ـ[أبوأيمن]ــــــــ[01 - 02 - 2005, 01:49 م]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخي الجليل حازم،

أود بداية أن أعتذر عن تقصيري في الرد لأسباب عارضة، و أطمع في سعة صدركم و كثرة حلمكم

كما أسأل الله العلي القدير أن يجزيكم خير الجزاء عما تبدلونه من وقت وجهد فيما تتحفوننا به من فوائد

و لدي استفسار فيما قلتموه " لأنَّ نائب الفاعل، حكمه حكم الفاعل"

ألا يوجد فرق بين الفاعل و نائب الفاعل، حيث أن نائب الفاعل في الأصل مفعول

و المفعول به مما يجوز أن يأتي جملة فعلية؟

و لكم ودي و احترامي

تلميذكم أبو أيمن

ـ[حازم]ــــــــ[02 - 02 - 2005, 02:08 م]ـ

أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرانٍ بِذِي سَلَمِ * مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

أمْ هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقاءِ كَاظِمَةٍ * وَأوْمَضَ الْبَرْقُ في الظلْماءِ مِن إِضَمِ

فما لِعَينَيكَ إن قُلتَ اكْفُفا هَمَتَا * وما لِقَلبِكَ إن قُلتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير