(والصواب أنَّ الذي في البيت، " كابِدٌ " بالباء الموحَّدة، من " المكابَدة والعمل "، وهو اسم غير جارٍ على الفعل، وبهذا جَزمَ يعقوب قي شرح ديوان " كثير ") انتهى
وجاء " حاشية الصبان ":
(" بالذي أنا كائدُ "، أي: كائدٌ آتيه، فالخبر محذوف) انتهى
وذكر الخضري في " حاشيته ":
(و" كائدُ " بالهمز التي ترسم ياء بلا نقط، لما سيأتي في الإبدال، وخبره محذوف، أي: كائدٌ آتيه، كما في " شرح الكافية "، وتصويب " الموضح " أنه بالموحَّدة من " المكابَدة "على غير قياس، إذ قياسه: مُكابِد، كمُقاتِل، فلا شاهد فيه.
رجع عنه في شرح " الشواهد الكبرى "، فقال: ظهر لي أن الحق مع الناظم، اهـ، تصريح) انتهى
يعني بالناظم: ابن مالكٍ – رحمه الله -.
قلتُ: وقد أغرب الخضري، في توجيه عدم عمل اسم الفاعل من " كادَ "، حيث قال:
(وقد يقال: لا شاهد فيه على الأول أيضًا، لاحتمال أنه من " كاد " التامَّة، بلا تقدير خبر، أي: بالذي أنا قريب من فعله) انتهى
قلتُ: ولا دليل لديه أنَّ كاد استُعملت تامَّة، والله أعلم.
هذا من جهة رواية البيت وتقدير المحذوف.
أما من جهة تعليل عدم بنائها، فأقول، وبالله التوفيق:
قد وضع لنا النُّحاة علاماتٍ، نهتدي بها إلى معرفة المعرب والمبني، وأرَى أنَّ لدينا ثلاثة تعليلات، كل واحد منها يكفي لمنع البناء أن يتسلَّط على كلمة " كائدُ "، الواقعة خبرًا ضمن السياق.
الوجه الأوَّل: أنَّ اسم الفاعل العامل " كائدُ " مُنوَّن تقديرًا، وقد حُذف التنوين من أجل الرويِّ، ولذلك عَمل وفق الشروط المعتبرة، ومعلوم أنَّ " أل " والتنوين تمنع البناء، لأنها خاصة بالأسماء المعربة.
الوجه الثاني: أنَّ افتقار " كائدُ " إلى جملة، ليس مؤصَّلا، بل عارضًا، وشرط البناء لزوم الافتقار.
ففي غير هذا الموضع، يجوز أن تفتقر " كائد " إلى مصدر مؤول، ويجوز في القليل أن تفتقر إلى مفرد.
ومتى ما امتنع لزوم الافتقار، امتنع البناء، لأنه شرطه.
أرأيت الاسم الموصول، لا يمكن أن يزول إبهامه إلاَّ بصلته، ولا يتمُّ معناه إلاَّ بتكملته، ولذلك كان افتقاره إلى صلته لازمًا، في كلِّ أحواله، وعند ثبوته وانتقاله.
الوجه الثالث: أنَّ الصواب، لا يقال: إنه افتقار، بل الجملة المحذوفة المقدَّرة هي معمول اسم الفاعل " كائدُ "، وهو ليس مفتقرًا إليها، بل الجملة متعلِّقة به.
وإذا قلنا: " معمول "، عُلِم أنَّ العامل قد يستوفي معموله، وقد لا يستوفيه، ويظل المعنى ظاهرًا بدون المعمول.
ألا ترَى أنَّ الفعل المتعدِّي، قد لا يأخذ مفعولاً، ولا نحتاج لتقديره، لأنَّ المعنى أشمل وأوضح بغير التقدير، قال الله تعالى: {وكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يَتبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْودِ} البقرة
وقال تعالى: {ألاَ تُحِبُّونَ أن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} النور.
وكذا اسم الفاعل، قد يمتنع عمله في بعض الحالات، وقد يكتمل المعنى دون الحاجة لعمله في حالات أخرى.
قال الله تعالى حكاية عن: {قالَ الْكافِرونَ إنَّ هَذا لَساحِرٌ مُبينٌ} يونس 2.
{لَساحِرٌ مُبين}، خبر {إنَّ} اسم فاعل
وقال عزَّ اسمه: {وإنَّنا لَفي شَكٍّ ممَّا تَدعونا إليه مُريبٍ} سورة هود 62.
{مُريبٍ}: اسم فاعل من مُتعدٍّ.
وقال تبارك في عُلاه: {فَاللهُ خَيرٌ حافِظًا} سورة يوسف 64.
وفرق كبير بين الْمُفتقر والعامل، فالافتقار دليل الضعف، والعمل دليل القوَّة، والمفتقر محتاج، والعامل يحتاج إليه غيره.
والفعل – كما هو معلوم – يرفع الفاعل، وقد يتعدَّاه إلى المفعول والظرف، وسُمِّيت الجملة جملة فعلية، به أو بمعناه.
واسم الفاعل مشبَّه به في عمله، إلاَّ أنه لا يعمل في كل حال، كأصله، والله أعلم.
أخيرًا، ما زلتُ أرَى أنَّ مرادكم أجلُّ مما ذكرتُه، وهدفكم أشمل ممَّا جمعتُه، والله المستعان، ولا حولَ ولا قوَّة إلاَّ به.
ختامًا، أستاذي الحبيب، الأستاذة الفاضلة " محبَّة اللغة العربية ":
آنَ لي أن أعود إلى مكاني الطبيعي، مؤخرة هذه القافلة المباركة، في شوقٍ بانتظار ما تجودان به من بديع البيان، في أجمل الألحان، مع الإيضاح والبرهان، من جواهر " التبيان "
دمتُما في حفظ الله ورعايته، مع عاطر التحايا
ـ[حازم]ــــــــ[13 - 02 - 2005, 12:45 م]ـ
أهلاً بمَقدمكِ السَّنيِّ ومَرحَبا * فَلقد حَبانا اللَّهُ مِنكِ بما حَبا
وافَيْتِ والنَّحوُ النَّفيسُ كأنَّه * صَعبُ الْمَرامِ وطرفُ صَبري قد كَبا
فأنَرْتِ مِنْ ظَلْماءِ هَمّي ما دَجا * وقَدَحْتِ مِنْ زندِ اصْطباري ما خَبا
الأستاذة الفاضلة " محبَّة اللغة العربية "
سُرِرتُ كثيرًا بعودتك المباركة، وأرَى أنَّ مسيرة " التبيان " ستزداد إشراقًا بك، وبمعيَّة أستاذي الجهبذ " أبو أيمن "، زادكما الله علمًا ونورًا.
وسرَّني كثيرًا، غزارة علمك، وعمق فهمك، وسعة اطِّلاعك.
وهذا ما أراه جليًّا في تناولك للمسائل، وتفصيلاتها.
أسأل الله أن ينفع بعلمكما، ويبارك أعمالكما، إنه سميع مجيب.
مع خالص تحياتي
¥