وذلك أنك إذا قلت: " فعلتَ هَذا أمسِ يا فتَى"، فإنما تَعْني اليومَ الذي يلي يومك، فإذا انتقلتَ عن يومِك انتقل اسمُ " أمسِ " عن ذلك اليوم، فإنما هي بمنزلة " مِنْ " التي لابتداء الغاية فيما وقعت عليه، وتنتقل مِن شيء إلى شيء، وليس حَدُّ الأسماء إلاَّ لزومَ ما وُضِعتْ علامات عليه.
" وحيثُ زيدٌ جالسٌ "، فحيثُ انتقل " زيدٌ " فـ" حيثُ " منتقل معه، فأما كسرُ آخر " أمسِ " فلالتقاء الساكنين: الميم والسين) انتهى
وفي " أسرار العربية ":
(وأما " أمسِ " فإنما بُنِيَت لأنها تَضمَّنت مَعنى لام التعريف، لأنَّ الأصل في " أمس " الأمس، فلما تَضمَّنت مَعنى اللام، تَضمَّنت معنى الحرف، فوجب أن تُبنَى، وإنما بُنِيَت على حركة لالتقاء الساكنين، وإنما كانت الحركة كسرة لأنها الأصلُ في التحريك لالتقاء الساكنين، ومن العرب مَن يجعل " أمسِ " معدولة عن لام التعريف، فيجعلها غير مصروفة، قال الشاعر من الرجز:
لقدْ رَأيتُ عَجبًا مُذْ أمسَا * عَجائزًا مِثلَ السَّعالي قَعسَا) انتهى
وفي " شرح المفصَّل " لابن يعيش:
(اعلم أنَّ " أمس " ظرف من ظروف الزمان أيضًا، وهو عبارة عن اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، ويقع لكلِّ يومٍ من أيام الجمعة، وللعرب فيه خلاف، فأهل الحجاز يَبنونه على الكسر، فيقولون: " فَعلتُ ذاكَ أمسِ "، " ومَضَى أمسِ بِما فيه ".
واحتجَّ أبو العبَّاس وأبو بكر بن السراج، بأنه مُبهم، ووقع في أوَّل أحواله معرفة، فمعرفته قبل نكرة، فَجرَى مجرى " الآن "، والصواب أنه إنما بُنِيَ لتضمُّنه لام المعرفة، وبها صار معرفة، والاسم إذا تضمَّن معنى الحرف بُنِيَ) انتهى
وفي " توجيه اللمع "
وبُنِيت " أمسِ " لأنها تضمَّنت لام التعريف، والدليل على ذلك وجهان:
أحدهما: صحة ظهورها معها، كقول ذي الرمة " من البسيط ":
أو مُقحَمٌ أضعفَ الإبطانَ حادِجُهُ * بالأمسِ فاستَأخَرَ العِدلانِ والْقَتَبُ
والثاني: صفتها بالألف واللام، كقول يزيد بن الصعِق " من الكامل ":
أبَني عُبَيدٍ إنَّ ظُلمَ صَديقِكم * والْبَغي تارِكُكُمْ كأمسِ الدابِرِ
وحركتها لالتقاء الساكنين، وكسرتها على أصله، فإن أضفته أو أدخلتَ عليه الألف واللام أو جمعته أعربته، تقول: " كان أمسُنا طيِّبًا "، " ومضى الأمسُ "، " وجِئتُ أوَّلَ مِن أُموسِ ") انتهى
وفي " شرح شذور الذهب ":
(" أمس "، إذا أردتَ به معيَّنًا، وهو اليومُ الذي قبلَ يومِك، وللعرب فيه حينئذٍ ثلاث لغات:
إحداها: البناء على الكسر مطلقًا، وهي لغة أهل الحجاز، فيقولون: " ذهبَ أمسِ بما فيه "، " واعتكفتُ أمسِ "، " وعجبتُ مِن أمسِ "، بالكسر فيهنَّ، قال الشاعر:
مَنعَ البقاءَ تَقلُّبُ الشمسِ * وطلوعُها مِن حيثُ لا تُمسي
ثم قال:
اليومُ أعلمُ ما يَجيءُ بهِ * ومضَى بفصلِ قَضائهِ أمسِ
الثانية: إعرابه إعراب ما لا ينصرف مطلقا وهي لغة بعض بني تميم، وعليها قوله:
لقدْ رَأيتُ عَجبًا مُذْ أمسَا * عَجائزًا مِثلَ السَّعالي خَمسَا
يَأكُلنَ ما في رَحلِهِنَّ هَمسَا * لا تَركَ اللهُ لَهنَّ ضِرسَا
وقد وَهِم الزجاجيُّ فزعم أنَّ مِن العرب مَن يَبني " أمس " على الفتح، واستدلَّ بهذا البيت.
الثالثة: إعرابُه إعرابَ ما لا ينصرف في حالة الرفع خاصة، وبناؤُه على الكسرِ في حالَتَي النصبِ والجرِّ، وهي لغةُ جمهور بني تميم، يقولون: "ذهبَ أمسُ " فيضمُّونه بغير تنوين، " واعتكفتُ أمسِ "، " وعَجبتُ مِن أمسِ "، فيكسرونه فيهما.
وإذا أريد بـ" أمس " يومٌ ما من الأيام الماضية، أو كُسِّر، أو دخلته " أل "، أو أضيف، أعرب بإجماع، تقول: " فعلتُ ذلكَ أمسًا "، أي في يومٍ ما من الأيام الماضية، وقال الشاعر:
مَرَّتْ بِنا أوَّلَ مِنْ أُمُوسِ * تَميسُ فينا مِيسةَ الْعَروسِ
وتقول: ما كان أطْيبَ أمسَنا ".
وذكر المبردُ والفارسيُّ وابنُ مالكٍ والحريريُّ أنَّ " أمس " يُصغَّرُ فيُعرَبُ عند الجميع، كما يُعرَب إذا كُسِّر.
ونصَّ سيبويه على أنه لا يُصغَّر وقوفًا منه على السماع، والأولون اعتمدوا على القياس، ويشهد لهم وقوع التكسير فإن التكسير والتصغير أخَوَان، وقال الشاعر:
فإني وقفتُ اليومَ والأمس قبلَهُ * بِبابِكَ حتَّى كادتِ الشَّمسُ تَغرُبُ
رُوِيَ هذا البيت بفتح " أمسَ "، على أنه ظرفٌ مُعربٌ، لدخول " أل " عليه، ويُروَى أيضًا بالكسر.
¥