تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن المشرفي قد ينبو، واللاحقي قد يكبو، على أنه يجوز أن يقال: " جاء زيد ضاحكًا باكيًا "، إذا قصد أن بعض مجيئه في حال ضحك وبعضه في حال بكاء) انتهى

قلتُ: تعليله – رحمه الله – قويٌّ ووجيه، وهذا من فضل الله عليه، أسأل الله أن يبارك في علمه، وينفعنا به.

وقد رجَّح أبو حيَّان – رحمه الله – القول بالجواز أيضًا، في " بحره ":

({يَعمَهونَ}: جملة في موضع الحال، نصب على الحال، إما من الضمير في {يَمُدُّهم}، وإما من الضمير في {طُغيانِهِم}، لأنه مصدر مضاف للفاعل.

و {في طُغيانِهِم} يحتمل أن يكون متعلقًا بـ {يَمدُّهم}، ويحتمل أن يكون متعلقًا بـ {يَعمهونَ}.

ومنع أبو البقاء أن يكون {في طُغيانهم} و {يَعمهونَ} حالين من الضمير في {يَمدُّهم}، قال: " لأنَّ العامل لا يعمل في حالين " انتهى كلامه.

وهذا الذي ذهب إليه يحتاج إلى تقييد، وهو أن تكون الحالان لذي حال واحدة.

فإن كانا لذوي حال جاز، نحو: " لقيت زيدًا مصعدًا منحدرًا "

فأما إذا كانا لذي حال واحد، كما ذكرناه، ففي إجازة ذلك خلاف:

ذهب قوم إلى أن لا يجوز، كما لم يجز ذلك للعامل أن يقضي مصدرين، ولا ظرفي زمان، ولا ظرفي مكان، فكذلك لا يقضي حالين.

وخصص أهل هذا المذهب هذا القول بأن لا يكون الثاني على جهة البدل، أو معطوفًا، فإنه إذا كانا كذلك جازت المسألة. قال: بعضهم: إلا " أفعل التفضيل "، فإنها تعمل في ظرفي زمان، وظرفي مكان، وحالين لذي حال، فإن ذلك يجوز، وهذا المذهب اختاره أبو الحسن بن عصفور.

وذهب قوم إلى أنه يجوز للعامل أن يعمل في حالين لذي حال واحد، وإلى هذا أذهب، لأنَّ الفعل الصادر من فاعل، أو الواقع بمفعول، يستحيل وقوعه في زمانين، وفي مكانين.

وأما الحالان فلا يستحيل قيامهما بذي حال واحد، إلا إن كانا ضدين، أو نقيضين. فيجوز أن تقول: " جاء زيدٌ ضاحكًا راكبًا "، لأنه لا يستحيل مجيئه وهو ملتبس بهذين الحالين. فعلى هذا الذي قررناه من الفرق، يجوز أن يجيء الحالان لذي حال واحد، والعامل فيهما واحد) انتهى كلامه – رحمه الله -.

قلتُ: وأيَّد هذا القول، عالم النحو الفذّ، ابنُ هشامٍ – رحمه الله – في " أوضحه ":

(ولشبه الحال بالخبر والنعت، جاز أن تتعدد لمفرد وغيره:

فالأول كقوله " من الطويل ":

عَلىَّ إذا ما جِئتُ ليلَى بِخُفيةٍ * زيارةُ بيتِ اللهِ رَجْلانِ حافِيا) انتهى

وقرَّر هذا المذهب أيضًا، الخضري، في " حاشيته ":

(قوله: " يجوز تعدد الحال "، أي لشبهه بالخبر في كونه محكومًا به في المعنى على صاحبها، وبالنعت في إفهام الاتصاف بصفة، وإن لم يكن ذلك بالقصد، بل بالتبع بما هو المقصود منه، وهو تقييد العامل وبيان كيفية وقوعه) انتهى

وأجازه السيوطيُّ في " همع الهوامع ":

(يجوز تعدد الحال كالخبر والنعت، سواء كان صاحب الحال واحدًا، نحو: " جاء زيدٌ راكبًا مسرعًا "، أم متعددا، وسواء في المتعدِّد اتفق إعرابه، نحو: " جاء زيدٌ وعمرو مُسرعَين "، أم اختلف نحو: " لقيَ زيدٌ عمرًا ضاحكَين "، هذا هو الأصح ومذهب الجمهور) انتهى

قال الشنفرى في " لاميته "، " من الطويل ":

لعمرك ما في الأرض ضيقٌ علَى امْرئٍ * سَرَى راغبًا أو راهبًا وهْو يَعقِلُ

وقال التغلبيُّ في " مُعلَّقته "، " من الوافر ":

إذا عَضَّ الثقافُ بِها اشْمأزَّتْ * ووَلَّتهُمْ عَشَوْزَنةٌ زَبونا

وقول المتنبِّي في ممدوحه، " من الطويل ":

تَمُرُّ بِكَ الأبطالُ كَلمَى هَزيمةً * ووَجهُكَ وَضَّاحٌ وثَغرُكَ باسِمُ

بقي النظر في الجار والمجرور {في طُغيانِهِم}.

عُلِم أنَّ أبا البقاء قد منع إعرابه حالاً، لعلَّة أنَّ العامل الواحد لا يعمل في حالين.

فهل يكون حالاً عند مَن أجاز تعدُّد الحال؟

سبق القول أنَّ أبا حيَّان لا يراه حالاً، بل قال:

{في طُغيانِهِم} يحتمل أن يكون متعلقًا بـ {يَمدُّهم}، ويحتمل أن يكون متعلقًا بـ {يَعمهونَ})

وقد فصَّل المسألةَ، السَّمينُ الحلبيُّ، في " الدر المصون ":

{يَعمهونَ} في محل الحال من المفعول في {يَمدُّهم}، أو من الضمير في {طُغيانِهم}، وجاءت الحال من المضاف إليه، لأنَّ المضاف مصدر.

و {في طُغيانِهم} يحتمل أن يتعلق بـ {يَمدُّهم} أو بـ {يَعمَهونَ}، وقُدِّم عليها، إلا إذا جُعل {يَعمَهونَ} حالا من الضمير في {طُغيانِهِم}، فلا يتعلق به حينئذ لفساد المعنى.

وقد منع أبو البقاء أن يكون {في طُغيانِهم} و {يَعمَهونَ} حالين من الضمير في {يَمدُّهم}، معلِّلا ذلك بأنَّ العاملَ الواحد لا يعمل في حالين، وهذا على رأي مَن منع من ذلك.

وأما مَن يجيز تعدد الحال مع عدم تعدد صاحبها فيجيز ذلك، إلا أنه في هذه الآية ينبغي أن يُمنع ذلك، لا لِما ذكره أبو البقاء، بل لأنَّ المعنى يأبَى جَعْلَ هذا الجارِّ والمجرور حالاً، إذ المعنى منصبٌّ على أنه متعلق بأحد الفعلين، أعني {يَمدُّهم} أو {يَعمَهونَ}، لا بمحذوف على أنه حال) انتهى

وفي " إعراب القرآن الكريم " لمحي الدين:

({في طُغيانِهم} الجار والمجرور متعلقان بـ {يَمدُّهم}.

{يَعمَهونَ} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعل، والجملة الفعلية في محل نصب على الحال، من الضمير في {يَمدُّهم}) انتهى

والله أعلم

مع خالص تحياتي وتقديري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير