وقد يلعب موضوع التوسع في الاستعمال دوراً في إثراء هذه اللغة وعدم جمودها في قوالب ثابتة، وكأن المعجمات قد جمعت لغتنا العظيمة بأكملها، لا بدَّ أخي الفاضل من توسع في الاستعمال وتطور في الدلالة وبخاصة في ميدانٍ ليس للقواعد النحوية سلطان عليه .. والله أعلم.
التوسع والاتساع معنى عام يدخل فيه كلُّ صنوفِ التغيير في أصل التركيب من حذفٍ، وزيادةٍ، وتقديم وتأخيرٍ، وحملٍ على المعنى، وغير ذلك.
ولكن هذا التوسع يجب أن يكون مدروسا واعيا لا فوضويا، وإلا انقلب نقمة وشرا على لغتنا الحبيبة بدلا من أن يكون عامل إثراء وإغناء لها.
ويجب أن يكون هذا التوسع بقدر الحاجة، لا على السعة.
وهذا التوسع في استعمال بعض الألفاظ، والتطور في دلالاتها لا يجري دفعة واحدة، ولا يحدث فجأة، بل يمتد أجيالا وقرونا، وانظر في ذلك مصنفات علمي فقه اللغة والدلالة.
وكأني بك في قولك: "ولا بد من توسع في الاستعمال وتطور في الدلالة وخاصة في ميدان ليس للقواعد النحوية سلطان عليه" تفتح الباب على مصراعيه أمام كل من هب ودب ليعمل فأسه في هذه اللغة بحجة الرغبة في التوسع، وأعلمُ أنك لا تقصد ذلك!!.، فهل لغتنا ضيقة العطن؟ أم هي ثوب ضيق يحتاج إلى زيادة في مقاسه؟!!.
ثم ما الميدان اللغوي الذي ليس للقواعد النحوية سلطان عليه؟؟؟.
لنرجع إلى صُلب الموضوع المناقش؛ أليس له علاقة وثيقة بموضوع النصب على نزع الخافض المتفرع من حذف الجار المتفرع من باب التعدية واللزوم؟؟ أم أنه لا يخضع للقواعد النحوية فيجوز التوسع فيه لهذا السبب!!!.
ثم لو افترضنا جدلا أنه جاز لقائل أن يقول: "لا أخفيك أمرا ما" توسعًا، ألا يجوز لآخر تعدية الثلاثي إلى مفعول واحد بحجة التوسع أيضًا (وقد عُدي المزيد بالهمزة إلى مفعولين)، فيقول: "خَفِيك الأمرُ" وهو يعني (خفِيَ عنك الأمر)؟؟!!.
ألا يحق لآخر أن يقول توسعًا: "فرحتُك"، وهو يقصد (فرحت بك)!!.
صحيح أن هناك مذهبا يبيح للفصحاء في كل زمن ارتكاب حذف الجار بشروط معينة، ولكن القائلين به قليل، ومعارضيه كثر.
فهل ترضى للغتك أن تفقد هيبتها؟؟.
لو تصفحت معي كتب اللغة والمعاجم، وكتب تقويم اللسان لوجدت احتفاء كبيرا بهذا المجال اللغوي (التعدية واللزوم وحروف الجر) وعناية لافته به، لكونه ثغرا من ثغور العربية يجب أن تحكم رعايته وحراسته.
والحكم على حذف حرف الجر من حيث القياس والسماع بين ثلاثة اتجاهات،
وأوسط المذاهب والآراء في ذلك هو ماذهب إله ابن مالك ومن وافقه حيث خصه ببابي (نصح) و ("أنْ" و"أنَّ").
وزاد الرضي وابن أبي الربيع بابي المفعول له والمفعول فيه.
أما مسألة النصب بنزع الخافض أو على نزع الخافض ومسألة حذف الجار وبقاء المجرور على حاله فليسا بالموضوعين المتشابكين كما ذكرت، فأنت أخي الكريم قد عرضتَ مواضع تخص حذف الجارِّ وبقاء المجرور على حاله، وهذا الذي اعترضتَ عليه في وادٍ غير واديك الذي سلكتَه، فكيف تجمع بين الأمرين، هذا منصوب وذاك مجرور، أنا أتكلم على الاسم المنصوب لا على الاسم المجرور .. فكن واعياً لذاك رعاك الله.
أخي الكريم وفقك الله.
الموضوعان يلتقيان في حذف الخافض، ثم بعد ذلك يفترقان؛ هذا يبقى منصوبا بعد إيصال العامل إليه ولا يحتاج إلى تقدير الخافض، وذلك يبقى مجرورا بالخافض المحذوف الذي بقيَ أثره، وإن ذهب رسمه!.
وأحسن تعريف للنصب على نزع الخافض هو:"حذف حرف الجر من الجملة الفعلية، وإيصال الفعل إلى المجرور ليباشر نصبه".
فبينهما إذن اتصال وافتراق؛ لأنهما تحت موضوع واحد هو حذف الجار، وإن افترقا بعد ذلك في المسائل والفروع.
عندما صغتُ ردي الأول كنت أعني أحكام حذف الجار عموما، من حيث قياسيته، لأن أول النقاش كان عن حذف الجار دون اعتبار لحالة الاسم بعده من انتصاب أو انجرار. وليست كل المواضع التي ذكرتُها في تلك المشاركة تخص النوع الثاني؛ فمنها باب ("أن" و"أن")، وفيه خلاف في محله بعد الحذف، والأكثرون على أنه في محل نصب.
¥