وهذا غير مستغرب في لغة العرب، بل اللفظ الواحد قد يدل على المعنى وضده، كما في: "القرء": الطهر والحيض، و "عسعس": أقبل وأدبر.
وفي هذا الرابط، أيضا، ما يشير لنفس اللفظ:
http://lexicons.ajeeb.com/openme.asp?fileurl=/html/2058073.html
*****
3_
" إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ":
إما أن يقال بأن "رحمة" المضاف اكتسب التذكير من لفظ المضاف إليه: الاسم الكريم "الله"، كما في قولك:
قطعت بعض أصابعه، بالبناء للمجهول، فأنث الفعل "قطعت" مع أن لفظ نائب الفاعل "بعض" مذكر، لأنه أضيف إلى "أصابعه" المؤنث، فاكتسب منه التأنيث.
وقول الشاعر:
وكل مصيبات الزمان وجدتها ******* سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
فأنث "وجدتها" و "هينة" مع أن لفظ "كل": مفرد مذكر، لأنه أضيف إلى مؤنث "مصيبات" فاكتسب منه التأنيث.
وهذا أمر غيرمستغرب في لغة العرب، فالمضاف يكتسب من المضاف إليه أشياء نص عليها النحاة كـ: التذكير والتأنيث، والتعريف إذا كان المضاف إليه معرفة على تفصيل ليس هذا موضعه.
أو يقال بأن صيغة "فعيل" مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، فتقول: رجل جريح وامرأة جريح، ولا تقول: جريحة.
أو يقال بأن الرحمة قد ضمنت معنى الإحسان، والإحسان مذكر، فيكون المعنى: إن إحسان الله قريب من المحسنين، والتضمين هو: إشراب كلمة معنى كلمة أخرى، وهو باب واسع في لغة العرب، وخاصة في الأفعال.
وأقرب الأوجه الثاني، والله أعلم.
*****
وكذا في:
20_
"اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ "، لأن "قريب"، أيضا، على وزن "فعيل" الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو يقال كما قال الزمخشري غفر الله له:
{الساعة} في تأويل البعث، (فضمن لفظ "الساعة" معنى "البعث")، فلذلك قيل: {قَرِيبٌ} أو: لعل مجيء الساعة قريب، (من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: (واسأل القرية): أي: واسأل أهل القرية، وهو أسلوب عرفته العرب في كلامها، إذ يحذف المضاف، ويأخذ المضاف إليه كل أحكامه، وإليه أشار ابن مالك، رحمه الله، بقوله:
وما يلى المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الاعراب إذا ما حذفا).
فلا جديد عنده، وإنما هو ذكر لأكثر من مثال لنفس الإشكال من باب التهويل!!!!.
*****
4_
وأما قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً)
فعنه يقول إمام البلاغة الزمخشري، غفر الله له، في "كشافه":
فإن قلت: مميز ما عدا العشرة مفرد، فما وجه مجيئه مجموعاً؟ وهلاّ قيل: اثني عشر سبطاً؟ قلت: لو قيل ذلك لم يكن تحقيقاً لأنّ المراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع أسباطاً موضع قبيلة. ونظيره:
بينَ رِمَاحِيْ مَالِكٍ وَنَهْشَلِ ... اهـ
أي أن كل قبيلة تتكون من أسباط لا سبط واحد، فكأن اللفظ المرفوع "قبيلة": كل، قد وضع مكانه: أجزاء، هي: الأسباط، كما ترفع الثلاثة وتضع: 1+1+1، لأنها هي المقصودة، ولو قال: "سبطا"، لاقتصر على سبط واحد من كل قبيلة، مع أن كل قبيلة تتكون من عدة أسباط.
وكذا الحال في البيت:
بينَ رِمَاحِيْ مَالِكٍ وَنَهْشَلِ
ولم يقل: بين رماح مالك ونهشل، لأنه قصد كل الأفراد، أي: كل رماح مالك وكل رماح نهشل، فأتى بالمثنى ليدل على رماح كلا الجماعتين.
*****
5_
قوله تعالى: (هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)
وعنه يقول الزمخشري غفر الله له:
الخصم: صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل: هذان فوجان أو فريقان مختصمان وقوله: {هذان} للفظ. و {اختصموا} للمعنى، كقوله: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ} [محمد: 16]
فهي كالآية السابقة، إذ ليس المقصود بـ "خصمان": اثنان، وإنما المقصود فوجان: فوج مؤمن وفوج كافر، وكل فوج يتكون من أفراد، فآل المعنى إلى جماعة كثيرة تنقسم لفوجين، ولذا أتى بـ: "اختصموا" على المعنى الذي يؤول إليه الكلام، كما في:
قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)، ولم يقل: اقتتلا، لأن كل طائفة مكونة من مجموعة من المقاتلين، فراعى معنى الجماعة في "اقتتلوا".
ومثال الزمخشري: (وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ)، فراعى في "يستمع" لفظ "من" المفرد، وراعى في "خرجوا" معناها، لأنهم كانوا جماعة لا واحدا.
وكذا قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ).
فراعى في "ينظر" لفظ "من" المفرد، وراعى في "العمي" و "يبصرون" معناها، لأنهم جماعة لا واحد، فلم يقل: أفأنت تسمع الأعمى ولو كان لا يبصر.
وقوله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
فراعى في "أسلم" و "وجهه" و "محسن" و "له" و "أجره" و "ربه": لفظ "من" المفرد، وراعى في "عليهم" و "يحزنون" معناها.
وهذا باب كبير في القرآن جدير بالتتبع.
والله أعلى وأعلم.
ولعل الله، عز وجل، أن ييسر في إتمام باقي الإشكالات.
¥