فإذا كان هذا التمكين المؤقت دليلا على صحة دين النصارى مع كونه فرعا عن خيانة يندى لها الجبين، فكيف بالتمكين الذي حصل للمسلمين في أرض مصر والشام من لدن فتحت وإلى يوم الناس هذا وقد كان أهلها على النصرانية قبل الفتح الإسلامي، وكيف بما وقع بعد تلك الخيانة من نصر مؤزر في عين جالوت، وكيف بفتح القسطنطينية عاصمة الروم الشرقيين الأرثوذكس، وكيف بذلك المد الإسلامي المتنامي في أوروبا معقل النصرانية، وكيف بـ .................... إلخ، ألا يعد كل ذلك مئنة من ظهور دين الإسلام: الدين الصحيح؟!!!.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"ولهذا لما جاء المسلمون يقاتلون النصارى غلبوهم وأخذوا منهم خيار الأرض الأرض المقدسة وما حولها من مصر والجزيرة وأرض المغرب ولم يزل المسلمون منتصرين على النصارى ولا يزالون إلى يوم القيامة لم تنتصر النصارى قط على جميع المسلمين وإنما تنتصر على طائفة من المسلمين بسبب ذنوبهم ثم يؤيد الله المؤمنين عليهم.
ولو كان النصارى هم المتبعين للمسيح عليه السلام والمسلمون كفارا به لوجب أن ينتصروا على جميع المسلمين لأن جميع المسلمين ينكرون إلهية المسيح ويكفرون النصارى فعلم أن المتبعين للمسيح هم المسلمون دون النصارى". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 304).
فلم يدم انتصار الصليبيين على المسلمين بذنوبهم طويلا، فسرعان ما استرد المسلمون عافيتهم، فراجعوا دينهم فكان ما كان من كسر شوكة الصليب في الأرض المقدسة وبلاد الشام، وذلك، أيضا، مئنة من صحة هذه الرسالة الخاتمة.
وما تقدم يرد على كل صاحب بدعة:
فإن من طعن في عرض أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل البدعة وأذنابهم من العلمانيين يقال له: لازم مقالة السوء التي انتحلتها: الطعن في حكمة الرب، جل وعلا، إذ ترك دينه نهبا لقوم قد علم أزلا أنهم سيرتدون عن دينه وينكلون عن نصرته، ويهينون آل بيت نبيه، كما تروي أساطيركم!!.
ويكون صاحبه في الغار في علم الله مرتدا، وهو غافل عن ذلك، بل ينزل الله، عز وجل، عليه قوله تعالى: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، فيجمع بينه وبين مرتد في نصرة التأييد!!!!.
ويأتي خليفته ليقوض أركان دولتكم الفارسية التي تحترق قلوبكم غيظا من زوالها على أيدي الجند العمرية، فتدين لحكمه أمم الشرق والغرب، وهو متوسد نعليه في ثوب مرقوع تحت ظل شجرة، وهو بزعمكم: ظالم لآل البيت، رضي الله عنهم، مستبيح لحرمتهم، مغتصب لحقهم في الولاية المزعومة، ومع ذلك يؤيده الله، عز وجل، في حياته بالتمكين، وبعد موته بالذكر الحسن الذي تواتر في كل زمان ومكان بين أمم الأرض عربها وعجمها، ومن ذا يجهل عدل ابن الخطاب، رضي الله عنه، الذي صار مضرب المثل؟!!!.
ويأتي ثالثهم، رضي الله عنه، فتتسع أرجاء دولته ويفيض الخير على رعيته فيضا، وهو مبدل مرتد!!!.
ويأتي أبو الحسنين، رضي الله عنه، فيملك زمام الأمر، ومع ذلك لا يجهر بردة من قبله، ولا يتبرأ منهم، ولا ينفي تحريف ما بدلوه، ولا يظهر الوصية المزعومة، مع قيام الحاجة إلى بيان ذلك ليراجع الناس الدين الصحيح!!!!، بل هو على العكس: ممض لسنتهم، ماض على طريقتهم، معظم لسيرتهم.
فكيف سكت الباري، عز وجل، عن كل ذلك، إن لم يكن حقا في نفس الأمر؟!!!.
وقل مثل ذلك في كل بدعة، فإن لسان حال المبتدع: الاستدراك على مقام النبوة، إذ كيف بدا لك ما خفي على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهل هذا إلا من سوء الظن بالله، عز وجل، والطعن في حكمته، أن ترك فئاما من البشر تموت دون أن تفطن لما فطن له ذلك المبتدع مما يدعي أنه دين يتدين به؟!!!
والله أعلى وأعلم.