"وأما الرب تعالى فلا يجوز أن يرسل نبيا يكذب عليه لا عمدا ولا خطأ وكذلك الشاهد والمخبر الذي قد علم أنه تارة يصدق وتارة يكذب يمكن أن يستدل ببعض أخباره الذي يظهر فيها صدقه لدلالات تقترن بذلك بخلاف الرسول فإنه إذا كذب كذبة واحدة امتنع أن يكون الله أرسله فصار جميع ما يبلغه عن الله هو كاذب في أن الله أرسله به فكذبه في كلمة واحدة يوجب أنه كاذب في جميع ما بلغه عن الله وأن جميع ما حكاه ورواه عن الله قد كذب فيه وإن قدر أن ذلك الكلام في نفسه حق لكن تبليغه عن الله ونقله وروايته وحكايته عن الله كذب على الله"
"الجواب الصحيح"، (2/ 301، 302).
فلزم من كذبه، ولو مرة واحدة، أنه كاذب في كل ما يدعيه فلا يجوز لأحد من مخالفيه أن يستدل بشيء مما جاء به، إن كذبه في شيء آخر، وفي ذلك رد على من زعم خصوصية رسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمة العرب، إذ يلزمه أن يصدقه في كل ما قاله، لأنه رسول معصوم ولو إلى أمة العرب كما يزعم، وهو الذي قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا)، فلزمه تصديقه في ذلك واتباع كل ما جاء به.
يقول ابن أبي العز رحمه الله:
"وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ النَّصَارَى أَنَّهُ رَسُولٌ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً: فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا صَدَّقُوا بِالرِّسَالَةِ لَزِمَهُمْ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً، وَالرَّسُولُ لَا يَكْذِبُ، فَلَزِمَ تَصْدِيقُهُ حَتْمًا، فَقَدْ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَبَعَثَ كُتُبَهُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَالْمُقَوْقِسِ وَسَائِرِ مُلُوكِ الْأَطْرَافِ، يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ"
"شرح العقيدة الطحاوية"، ص127.
ويوم خان النصارى المسلمين إبان الاجتياح التتري لأرض الإسلام، فتواطؤوا مع المحتل الوثني على أهل الإسلام، مع تشدقهم بتعظيم دين الإسلام، كما هو حالهم في العصر الحاضر، فيداهنون أهل الإسلام ويمالئون أهل الأوثان من أمم الشرق والغرب على المسلمين، يوم خان النصارى المسلمين في تلك الساعة العصيبة، كان ذلك أحد أدلتهم على ظهور الدين الصحيح: دين المسيح!!!، كما حكى ذلك ابن كثير، رحمه الله، في "البداية والنهاية"، في: صفة أخذ المغول دمشق وزوال ملكهم عنها فقال:
"أرسل هولاكو وهو نازل على حلب جيشا مع أمير من كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا دمشق في آخر صفر فأخذوها سريعا من غير ممانعة ولا مدافع، بل تلقاهم كبارها بالرحب والسعة، وقد كتب هولاكو أمانا لأهل البلد، فقرئ بالميدان الأخضر ونودي به في البلد، فأمن الناس على وجل من الغدر، كما فعل بأهل حلب ................. وسلموا البلد والقلعة إلى أمير منهم يقال له إبل سيان، وكان لعنه الله معظما لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم، فعظمهم جدا، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفا، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته، ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس، هم ينادون بشعارهم ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح.
ويذمون دين الاسلام وأهله، ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا، وقماقم ملآنة خمرا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم، ودخلوا من درب الحجر فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان، ورشوا عنده خمرا، وكذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير ............... وحكى الشيخ قطب الدين في ذيله على المرآة أنهم ضربوا بالناقوس في كنيسة مريم فالله أعلم.
قال: وذكر أنهم دخلوا إلى الجامع بخمر وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا كثيرا من المساجد وغيرها، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إبل سيان فأهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم.
فإنا لله وإنا إليه راجعون". اهـ بتصرف.
وعن حرية المعتقد واحترام الآخر لا تسأل!!!.
¥