تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]، ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس، والأصل أن يُبْدَأَ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} الآية [البقرة: 29].

فأما قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ} [النازعات: 27 - 33] ففي هذه الآية أن دَحْي الأرض كان بعد خلق السماء، فالدَّحْيُ هو المفسر بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}، وكان هذا بعد خلق السماء، فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص ................................. وقوله: {خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} يعني: يوم الأحد ويوم الاثنين.

{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} أي: جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا}، وهو: ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة؛ ولهذا قال تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} أي: لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه"

وقال الزمخشري غفر الله له: " {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء} فذلكة لمدة خلق الله الأرض وما فيها، كأنه قال: كل ذلك في أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان". اهـ

وبنحو ذلك قال ابن عاشور رحمه الله:

"وقوله: {فِي أرْبَعَةِ أيَّامٍ} فذلكة لمجموع مدة خلق الأرض جِرمِها، وما عليها من رواسي، وما فيها من القوى، فدخل في هذه الأربعة الأيام اليومان اللذان في قوله: {فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] فكأنه قيل: في يَومين آخرين فتلك أربعة أيام، فقوله في {أرْبَعَة أيام} فذلكة، وعدل عن ذلك إلى ما في نسج الآية لقصد الإِيجاز واعتماداً على ما يأتي بعدُه من قوله: {فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصلت: 12]، فلو كان اليومان اللذان قضى فيهما خلق السماوات زائدين على ستة أيام انقضت في خلق الأرض وما عليها لصار مجموع الأيام ثمانية، وذلك ينافي الإِشارة إلى عِدّة أيام الأسبوع". اهـ

فيكون النص على الأربعة من باب النص على العشرة في نحو قوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ)

فالنص عليها لنفي توهم إرادة التخيير بين ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع الحاج إلى أهله، بل يلزمه الاثنان معا، فنص على مجموعهما رفعا للإشكال وإن دق.

يقول الزمخشري غفر الله له:

"فإن قلت: فما فائدة الفذلكة؟ قلت: الواو قد تجىء للإباحة في نحو قولك: جالس الحسن وابن سيرين. ألا ترى أنه لو جالسهما جميعاً أو واحداً منهما كان ممتثلاً ففذلكت نفياً لتوهم الإباحة، وأيضاً ففائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم. وفي أمثال العرب: علمان خير من علم، وكذلك {كَامِلَةٌ} تأكيد آخر". اهـ

وإلى نحو ذلك أشار القرطبي، رحمه الله، بقوله:

"واختلفوا في معنى قوله: "تلك عشرة" وقد علم أنها عشرة، فقال الزجاج: لما جاز أن يتوهم متوهم التخيير بين ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجع بدلا منها، لأنه لم يقل وسبعة أخرى - أزيل ذلك بالجملة من قوله "تلك عشرة" ثم قال: " كاملة " ..................... وقال المبرد: "عشرة" دلالة على انقضاء العدد، لئلا يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة.

وقيل: هو توكيد، كما تقول: كتبت بيدي.

ومنه قول الشاعر:

ثلاث واثنتان فهن خمس ******* وسادسة تميل إلى شمامي

فقوله "خمس" تأكيد". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (2/ 361).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير