تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللإسلام قوة ذاتية: فإنه ظاهر وإن خذل أتباعه، فلا تقوى بقية الأديان على مقارعته، وإن قهر أتباعها أتباعه بالسيف، كما هو حال واقعنا المعاصر.

وله من العزة ما يحفظه من التبعية لغيره، وإن كان أتباعه أذنابا لأمم الشرق والغرب، فالفصل بين الإسلام والمسلمين في هذا الموضع: حتم لازم لئلا يؤخذ الدين بجريرة أتباعه.

يقول ليفي ستراوس:

"إن وجود الإسلام قد لعب دورا مزعجا: لقد قطع إلى نصفين عالما كان يستعد للاتحاد، وتدخل بين الهللينية والشرق، وبين المسيحية والبوذية، لقد قام الإسلام بعملية أسلمة للغرب، ومنع المسيحية من أن تتعمق". اهـ

نقلا عن: "التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية"، ص47.

فقد قطع الإسلام الطريق على نصرانية بولس، فلم يأت إلا بتقرير ما قررته نصرانية المسيح عليه السلام من توحيد الباري، عز وجل، فلم يسع بقايا أهل الكتاب في حديث عياض رضي الله عنه: (ثم إن الله، عز وجل، نظر إلى أهل الأرض فَمَقَتَهُمْ، عجَمَهم وعَرَبَهُم، إلا بقايا من أهل الكتاب)، لم يسعهم إلا اتباعه، إذ الدين واحد وإن تعددت الشرائع.

وإن شئت الدقة فقل: لقد جاء إسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخاص بتقرير ما جاء به المسيح عليه السلام من الإسلام العام، فالرسالات في جوهرها واحدة، إذ هي أشبه ما تكون بـ: "المشتركات المعنوية" التي ترجع في أصلها لمعنى كلي مشترك، وإن اختلفت في الجزئيات العملية، فالدين واحد والشرائع متعددة.

بخلاف نصرانية المسيح ونصرانية بولس، فذانكما لا يجمعهما عند التحقيق، إلا الاسم، فهما أشبه ما يكونان بمعنيي مشترك لفظي لا رابط بينهما إلا اللفظ الذي دل عليهما، فالحقائق والمعاني متباينة وإن اتحدت المباني.

وقل مثل ذلك في المسيح عليه السلام الذي بعث بتقرير التوحيد، وبشر بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس يجمعه بالمسيح الذي تعبده النصارى إلا الاسم، فالمسألة لا تعدو كونها: "تشابه أسماء"!!!.

فكان لا بد من وقوع الخلاف بل والصدام الذي تنوعت صوره، واعتبر بحال زماننا: فصدام عسكري في العراق وبلاد الأفغان وبيت المقدس وأكنافه، وآخر سياسي يهيمن فيها الغرب على مراكز صنع القرار في الدول الإسلامية، وثالث اقتصادي فمجتمع الغرب إنتاجي متبوع ومجتمع الشرق استهلاكي تابع، ورابع ثقافي: فمدنية الغرب المادية هزمت النفوس الضعيفة، التي طرحت رداء العزة الإسلامية، وارتدت رداء الذلة العلمانية. والضعيف مغرم بتقليد القوي، والمغلوب مغرم بتقليد الغالب، كما ذكر ذلك ابن خلدون رحمه الله.

ونبذ الدين المحرف: خطوة على طريق التقدم خطتها أوروبا لما نبذت دين الكنيسة، ونبذ الدين الصحيح: خطوة على طريق التخلف خطاها العالم الإسلامي لما نبذ دين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليسوا سواء، إذ لكل سنته الجارية، فأهل الحق لا يظهرون إلا بانتحال أصوله القديمة، فإن الحق قديم، وأهل الباطل لا يظهرون إلا بنبذ أصوله المبتدعة، فإن الباطل حادث بعد أن لم يكن، فلا مستند له من كلام النبوات الصحيحات ولا المعقولات الصريحات.

إن الخلاف قد يكتسب طابعا ماديا ظاهرا على أرض، على مصادر طاقة على ........... إلخ، ولكن ذلك ليس إلا عرضا من أعراض صراع عقدي، تشتعل فيه جذوة الدين في قلوب معتنقيه، فيحشد عباد الصليب جندهم ومالهم وأقلامهم ومؤسساتهم المدنية ........ إلخ في حملة صليبية متنوعة المظاهر على الشرق المسلم الذي انتقل إلى خانة الدفاع بعد انحساره في غرب القارة الأوروبية بسقوط آخر معاقل الإسلام في الجزيرة الأندلسية سنة 897 هـ، فانتقل المغرب الإسلامي من موقف الفاتح الغازي إلى موقف الدافع الراد للصائل الكاثوليكي الذي أغار على سواحل تونس والجزائر والمغرب، إذ أغرى انقسام المغرب بعد تفككه إلى ثلاث دويلات: مغرب أدنى، وآخر أوسط، وثالث أقصى، إذ لم تعد للمغرب وحدته السياسية مذ سقطت دولة الموحدين بعد نكبة العقاب وإلى يوم الناس هذا، أغرى الإسبان والبرتغال ومن بعدهم الفرنسيين في دول جنوب المتوسط، وتوجت تلك الأطماع بسقوط الجنوب المسلم في قبضة الشمال النصراني، واقتسمت إيطاليا وإسبانيا وفرنسا الشمال الإفريقي المسلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير