حدث ذلك يوم أن تمسكت الأمة بشريعة ربها، واستقامت على كتاب ربها، وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم-؛ فلما تباعدت عن مثل ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام آلَ أمرُها إلى الضعف، ولذلك كان أزهى عصور الحضارة الإسلامية هي القرون الخيرية الثلاثة (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) متفق عليه.
وأفضل البشر تحضراً بعد الأنبياء والمرسلين هم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110)، والأمور كل الأمور على ما عند ربك لا على ما اصطلحت عليه البشرية التي غيَّرت وبدَّلت، وجعلت الإيمان كفراً، والكفرَ إيماناً، والعفن المادي حضارة، وجعلت صبغ الدنيا بالدين تطرفاً وإرهاباً، وغير ذلك من صور التزييف التي لا تنطلي إلا على العميان.
لقد بلغ من جرأة هؤلاء في طمس الحق والحقيقة تغييرهم لمعاني التاريخ والجغرافيا، فجعلوا هذه الأمة الوسط شرقاً (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) (الشورى:7).
وجعلوا الحقبة التي بعث فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "وهي أزهي عصور التاريخ" حقبة مظلمة! -تعالى الله عما يقول المفترون علواً كبيراً-.
قوة هذه الأمة وسلامة حضارتها في العمل بطاعة الله في كل ناحية من نواحي الحياة، وعلى العكس والنقيض فضعفها في الانحراف عن منهج الله، فالروم تخونهم أجسادهم أحوج ما يكونون إلى القوة؛ وذلك لكفرهم رغم ضخامة أجسامهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتخوف على أمته الفقر، وإنما تخوف أن تبسط وتفتح عليهم الدنيا، كما بُسطت على من قبلهم، فيتنافسوها كما تنافسوها، فتهلكهم كما أهلكت من سبقهم.
وقد حذر -صلى الله عليه وسلم- من الابتداع في دين الله، فلا تصلح الصوفية، ولا الشيعة، ولا المعتزلة؛ لإقامة خلافة على منهاج النبوة أو إقامة حضارة للحاق بركاب الحضارة المعاصرة، فبمقدار تمسكنا بمنهج النبوة بمقدار تطورنا وتحضرنا وتقدمنا الحقيقي.
وعلى قدر تباعدنا عن هذا النهج على قدر تخلفنا وفشلنا، وضياعنا في العاجل والآجل، قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55).
ولذلك سنظل نردد:
- "كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف".
- "وما لم يكن يومئذٍ ديناً فليس اليوم ديناً".
- "ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
وكلنا ثقة ويقين أن المستقبل للإسلام بغلبته وظهوره على الأديان كلها، كما أخبر الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- ... (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص:88).
والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
منقول عن شبكة طريق السلف.