تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن هناك اختلافًا في موعد حادثة الإسراء: فيذكر ابن عساكر أنها كانت في أوائل البعثة، أما ابن إسحاق فيقول إنها بعد البعثة بحوالي عشر سنين، وذكر الزهري أنه كانت قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسنة، وعن إسماعيل السدي أنها كانت قبل مهاجَره بستة عشر شهرًا أي في شهر ذي القعدة، ويذكر ابن عباس أنها كانت في شهر ربيع الأول، وقيل: إنها في شهر رجب ليلة السابع والعشرين [12]، والثابت أنها كانت في عام وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها، قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بثلاث، وقيل بأربع [13].

وعندما نستعرض ما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم على أرض الإسراء نرى مواقف دالة على الإعجاز الرباني الذي يدل على عظم هذه البقعة في أرض الشام، وكيف أن الله سبحانه وتعالى اصطفاها دون سائر الأرض لتكون مسرى لنبيه صلى الله عليه وسلم. ويروي الأحداث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه– فيقول: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق؛ وهي الدابة التي كانت تحمل الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها، فحُمِل عليها. ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض. حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء، قد جُمِعوا له، فصلّى بهم. ثم أُتِي بثلاثة آنية من لبن وخمر وماء، فذكر أنه شرب إناء اللبن، فقال له جبريل: هُديتَ وهُدِيَتْ أمتك وحرمت عليكم الخمر.

وفي الخبر أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء بيت المقدس ربط البراق بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ثم دخل بيت المقدس فصلى في قبلته تحية المسجد" [14] وتكمل أم هانئ الخبر: "ما أسرى برسول الله إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أيقظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال: يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت صلاة الغداة كما ترين [15]، ثم قام ليخرج فأخذت بردائه فقلت: يا نبي الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبوك ويؤذوك، فقال: والله لأحدثنهموه. فأخبرهم فكذبوه" [16].

في الخبر السابق عدة أمور:

- تكريم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج.

- إن سياق الخبر يدل على أن الحادثة كانت بالروح والجسد، ولو كانت بالروح فقط أو هي رؤيا لظهر ذلك في لفظ الرواية.

- إن تعظيم المسجد الأقصى عائد إلى صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه مع ثلة من الأنبياء والمرسلين، وقد ربط البراق بحلقة في بيت المقدس، وهذه إشارات مادية حية على هذا التكريم النبوي لتلك البقعة. وفي رواية ابن هشام أن البراق: "دابة أبيض، بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان، يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه" [17].

- إن هذه الحادثة شهدت تحريمًا غير مباشر للخمر، حينما اختار المصطفى صلى الله عليه وسلم إناء اللبن، وهو أمر دال على الفطرة السوية التي كان عليها المبعوث رحمة للعالمين.

- إن إصرار الرسول صلى الله عليه وسلم على إخبار أهل مكة بالحادثة دليل على يقينه، ورغبة في إعلامهم بمعجزة خالدة من معجزات رسالة الإسلام، وقد ساق الرسول من الشواهد الملموسة الكثير، على وقوع الأمر؛ منها: إرشاده صلى الله عليه وسلم لجماعة من الأعراب فقدوا عيرا لهم عند توجهه إلى الشام، وشربه من إناء فيه ماء لقوم كانوا نياما، وإخباره قريشًا أن عير هؤلاء القوم عند ثنية التنعيم البيضاء، يتقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء، وقد تحققت قريش من هذا الخبر عندما قدمت هذه العير [18].

- إن الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تدبير مقدر من اللطيف الخبير كي "تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلى محمد خاتم النبيين، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا. وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلاء وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعا" [19].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير