تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

- إن هذه الحادثة أكدت تقدّس هذا المكان، لذا جاء في تعريف بيت المقدس أنه: الأرض المقدسة، أي المباركة، وقد قيل: إنها تشمل دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وبيت المقدس منه [20]، ومن ثم فإن الاهتمام لا ينصب على الدفاع عن الأقصى فحسب، وإنما عن سائر الأرض المحيطة به، فقد نالت من شرف القداسة الكثير.

ولا شك أن تذكر الإسراء والمعراج يكون سبيلا –ضمن سبل أخرى– لتذكر مكانة المسجد الأقصى، ذلك أن الإسراء يعيد إلى الأذهان، ويرسخ في القلوب، كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سار وصلى وأمّ الأنبياء في هذه البقعة المباركة، وكيف عرج به إلى السماء من هذه البقعة، وإحداث صلة ما بين ما تقدم من مجد ومكانة لهذه البقعة، وما تأخر من تعرضها للاحتلال.

فضائل مدينة "بيت المقدس" موطن الأقصى:

مدينة "بيت المَقْدس" بفتح الميم وسكون القاف، تعني: المكان المطهر من الذنوب، واشتقاقه من القدس وهي الطهارة والبركة، ويقال: المكان المرتفع المنزه عن الشرك [21]. ونلاحظ أن بيت المقدس ذات صخرة مرتفعة، ورد كثير من المعلومات عنها في كتب التاريخ، فلعل الوصف هنا بأنها مكان مرتفع منزه يجمع بين البعد الجغرافي ارتفاع المدينة والبعد الديني بكونها ذات قداسة.

أما اسم المدينة في اللغة العبرانية فهو "أورشليم" ومعناه: بيت الرب، ولها أسماء أخرى منها: صهيون، وقصرون [22]. واسم بيت الرب ذو دلالة واضحة على تقدس المدينة في اليهودية والنصرانية، وهذا لا يؤكد أحقية اليهود فيها، بقدر ما يشير إلى أن هذه المدينة لها القداسة في مختلف الديانات، ولدى جميع الأنبياء على نحو ما سيرد بعد. أما لفظة صهيون، فهي اسم جبل مجاور للمدينة يحمل هذا الاسم، وقد انتسبت الحركة الصهيونية الحديثة إليه إمعانًا في التضليل والتقنع بقناع الدين وربط مصيرها بمصير القدس.

ونلاحظ أن اسم "بيت المقدس" يطلق على المدينة المقدسة "القدس الآن" تارة بشكل عام، في إشارة إلى أن البقعة كلها مقدسة، وهذا تأكيد للآية الكريمة {الذي باركنا حوله}؛ وقد يشار إلى المسجد الأقصى بعموم لفظ بيت المقدس في بعض الكتابات، وهذا عائد إلى عدم التفريق في الضبط والشكل بين المَقدس والمُقَدَّس، فالأولى تطلق على المدينة "بيت المقدس" والثانية تطلق على المسجد "البيت المُقَدَّس".

لا يقتصر التشريف لبيت المقدس على حادثة الإسراء والمعراج فقط، ولا لكونها تحتضن في ربوعها المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، بل يتخطاه إلى فضائل أخرى، مرت إشارات عدة لها في القرآن الكريم.

ففي تفسير قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] قال مقاتل بن سليمان: هي بيت المقدس. وقوله تعالى لبني إسرائيل: {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} [طه: 80] يعني بيت المقدس. وفي قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] هي: بيت المقدس. ومنها قوله تعالى إلى بني إسرائيل: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21] فالأرض المقدسة هي بيت المقدس، وأيضا قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس: 93]. قيل بوأهم الشام، وبيت المقدس خاصة.

ورفع الله عيسى بن مريم عليه السلام من بيت المقدس، وفيها مهبطه قبل قيام الساعة. وأول شيء حسر عنه بعد الطوفان هو صخرة بيت المقدس، وفيه ينفخ في الصور يوم القيامة، وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة، ومنها قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] قيل النصب هي صخرة بيت المقدس، وأيضًا قوله تعالى: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] قيل إنه ينادي من صخرة بيت المقدس. وقوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 14] والساهرة بجوار بيت المقدس [23].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير