تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و كان الحياء صفة لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من عذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا رئي ذلك في وجهه) صحيح ابن ماجه:3388

قال بعض البلغاء: حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه.

فهو خير كله، إلا ما كان سببا في حرمان المرء من العلم و التفقه في الدين، قال مجاهد رحمه الله: (لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر) الأسرار المرفوعة للمحدث الملا علي قاري 371

و قالت عائشة رضي الله عنها مادحة: (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين) صحيح ابن ماجه: 531

فلا يحملك الحياء على السكوت عما ينفعك أن تعقله، فإنما السؤال شفاء العي، وبالأنين يعرف ألم الجرح، واجعل لكل أمر سألت عنه غاية تجعلها نهاية لفهمك و تعقلك و لا تكن بالحياء محروما و كن به عالما فقيها و لا يحملك الحياء على ترك الجهر بالفضائل من دعوة و بر وقول حق و قراءة قرآن.

وقال الحسن البصري رحمه الله: مَن استتَر عَن الطلَب بالحَيَاء لَبِسَ للجهل سِرْبَالَه، فقَطِّعُوا سَرَابِيلَ الحياء فإنّه مَن رَق وجهُه رق عِلْمُه، وقال: إنَي وجدتُ العِلْم بين الحياء والستْر.

وقال أيضا رحمه الله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: لا تصلّها رياءً ولا تدعها حياءً.

و كما قيل: لا حياء لحريص.

أي لا يمنع حياء المرء أن يكون حريصا على فعل ما ينفعه من دينه و دنياه.

و قال صلى الله عليه و سلم أيضا: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق) صحيح الترغيب: 2629

قوله: (الحياء والعي)

أي العجز في الكلام والمراد به في هذا المقام هو السكوت عما فيه إثم من النثر والشعر لا ما يكون للخلل في اللسان قاله القاري. وقال في المجمع: العي التحير في الكلام وأراد به ما كان بسبب التأمل في المقال , والتحرز عن الوبال انتهى قلت وفسر الترمذي العي فيما بعد بقلة الكلام يعني حذرا عن الوقوع في الإثم أو في ما لا يعني.

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي

قلت: فالعي صمت جميل عن ما لا يحمد قوله، و الحياء جامع للخير كله، و البيان تشدق و تكلف دون حاجة، و إفصاح فيما يحسن السكوت فيه دون ثرثرة.

قال عليه الصلاة و السلام: (الحياء من الإيمان، و الإيمان في الجنة، و البذاء من الجفاء، و الجفاء في النار) صحيح الجامع: 3199

فالحياء حياة للقلوب الميتة بالذنوب و المعاصي و هو ماء نزل على أرض قاحلة فخضرت و أنبتت من كل زوج حدائق ذات بهجة من نظر.

و من ثمرته أنه يوجب محبة الله تعالى لعبده، فتكون من تمام النعمة و العطاء و المن منه سبحانه، قال النبي صلى الله عليه و سلم: (إن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، و يكره البؤس و التباؤس، و يبغض السائل الملحف، و يحب الحيي العفيف المتعفف) السلسلة الصحيحة: 1320

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

والحياء مشتق من الحياة ; فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء يمنعه عن القبائح فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {الحياء من الإيمان} وقال: {الحياء والعي شعبتان من الإيمان.والبذاء والبيان شعبتان من النفاق} فإن الحي يدفع ما يؤذيه ; بخلاف الميت الذي لا حياة فيه فإنه يسمى وقحا والوقاحة الصلابة وهو اليبس المخالف لرطوبة الحياة فإذا كان وقحا يابسا صليب الوجه لم يكن في قلبه حياة توجب حياءه، وامتناعه من القبح كالأرض اليابسة لا يؤثر فيها وطء الأقدام بخلاف الأرض الخضرة.

ولهذا كان الحي يظهر عليه التأثر بالقبح، وله إرادة تمنعه عن فعل القبح، بخلاف الوقح الذي ليس بحي فلا حياء معه ولا إيمان يزجره عن ذلك. فالقلب إذا كان حيًا فمات الإنسان بفراق روحه بدنه كان موت النفس فراقها للبدن، ليست هي في نفسها ميتة بمعنى زوال حياتها عنها. مجموع الفتاوى م ع 189) (645

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير