تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالحياء كما يقول أهل العلم، شعبة كريمة من شعب الإيمان العظيمة، و أصحابه من أهل الجنة، و من خالف الحياء لسوء خلقه، و جرم فعاله و أقواله، صار في عداد أصحاب القلوب المريضة، و من الموسومين بعدم الوفاء، و حرمان النقاء و الصفاء، و كان بذلك علما على أهل الجفاء، و لا شك أن صاحبه في النار إما مدة أو دائما و أبدا.

فمدة إذا كان صاحبه مناقضا لبعض الإيمان و شعبه، أو دائما و أبدا إذا كان مناقضا لمطلق الإيمان و كماله، على سبل أهل الكفر و أقرانه، فإذا أنقص شيء من الحياء نقص من الإيمان مثله، وإذا ذهب الحياء كله ذهب الإيمان كله.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: فصل وههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء

والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء وعدم المبالاة وترك الخوف والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر بل يجعلها في أعلى رتبها وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب. مدارج السالكين (1/ 328)

قال علي بن عبيدة رحمه الله: إنه لا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له - و لا إخاء لمن لا إيمان له.

قال النبي صلى الله عليه و سلم (الحياء و الإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) صحيح الجامع: 3200

و قال آخر: ثلاث خصال من لم تكن فيه لا خير فيه: دين يرشده، أو حياء يردعه، أو خوف يمنعه.

قال بعض الحكماء: من كساه الحياء ثوبه، لم ير الناس عيبه.

أما من جُرد لبوس الحياء منه، فعيوبه تسرى و مساويه تترى، و ليس بحائد عن قبيح، و لا ناه عن شنيع، و هو يذهب حيث يريد، و رأيه في الخير غير سديد، فإذا كان كذلك، فليفعل ما يشاء و ما يريد، و بذلك جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت) صحيح أبي داود: 4797

قال بعض الشعراء:

إِذا رُزِقَ الفَتى وَجهاً وَقاحاً ((())) تَقَلَّبَ في الأُمورِ كَما يَشاءُ

وَلَم يَكُ لِلدَواءِ وَلا لِشَيءٍ ((())) يُعالِجُهُ بِهِ عَنهُ غَناءُ

وَرُبَّ قَبيحَةٍ ما حالَ بَيني ((())) وَبَينَ رُكوبِها إِلّا الحَياءُ

وَكانَ هُوَ الَّذي أَلهى وَلكِن ((())) إِذا ذَهَبَ الحَياءُ فَلا دَواءُ

و ليست هذه دعوة بفعل القبيح إذا عدم الحياء أو قل، كما قد يتبادر إلى ذهن بعض الأغمار، جهلا منهم بمقاصد الكلام و مرادات الخطاب، قال الإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي في أصول الفقه: معنى هذا الحديث أن من لم يستحي دعاه ترك الحياء إلى أن يعمل ما يشاء، لا يردعه رادع، فليستحي المرء، فإن الحياء يردعه.

و الأطرف منه ما حكي عن أبي بكر الرازي من أصحاب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه حيث قال: أن المعنى فيه: إذا عرضت عليك أفعالك التي هممت بفعلها فلم تستحي منها، لحسنها و جمالها،فاصنع ما شئت منها.

فقد جعل الحياء حكما على الأفعال، و هذا محمل بديع و كلاهما حسن، و الأول أقرب للمراد، لأن الدافع من القول كان الذم و ليس الحمد.

و قد قال الإمام الماوردي في هذا الباب أن - اختلاف معانيها أدخل في الحكمة، و أبلغ في الفصاحة، إذا لم يضاد. أدب الدنيا و الدين: 240

قال بعض الشعراء:

إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً ((())) وتستحي مخلوقاً فما شئت فاصنع

حياء كان سببا في الجوع و هذا مما يذم و لا يحمد.

حياء كحياء مارخة

يضرب مثلاً لمن يستحي مما لا يستحى منه. وأصله أن امرأةً يقال لها مارخة نزلت بقوم، فقدموا لها قرىً، فقالت: أستحي أن أصيب منه، وخرجت عنهم، فباتت ليلتها جائعةً تسري. جمهرة الأمثال.

و الحياء الحق يمنع من التقول على الله بغير علم و لا يصد صاحبه من قول لا علم لي أو لا أدري.

سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا علم لي بها، فقالوا: ألا تستحي؟ فقال: ولم أستحي مما لم يستحي منه الملائكة حين قالت "لا علم لنا" البقرة: 32؟

و الحياء يمنع صاحبه من السؤال و يجعله طالبا للرزق بالنصب و الكد و الإجتهاد.

قيل لأعرابي ينسج: ألا تستحي أن تكون نساجاً فقال: إنما أستحي من أن أكون أخرق لا أنفع أهلي.

الحياء منع أحد الزهاد من أخذ حظ النفس و لو بشربة ماء باردة و كان ذلك لله تعالى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير